الرأي

أسباب خفية للاكتئاب

عبدالرحمن الشنقيطي
طالب كلية الإقتصاد والإدارة

الاكتئاب طامة من طامات العصر التي ضربت البشرية بقوة في العقود الأخيرة, وهو هبوط في المزاج يصيب الفرد نتيجة لعوامل داخلية أو خارجية أو الاثنين معاً, والنتيجة دخول الإنسان في هالة سوداء من الحزن والإحباط تعيقه عن الإنتاجية, وليست كل أسباب الاكتئاب واضحة وممكنة التشخيص للوهلة الأولى بل هناك أسباب خفية قد لا ترتبط مباشرة بالاكتئاب كحالة, بل تتراكم وتتبلور بمرور الوقت لتفرز الاكتئاب كنتيجة، ويعد التسويف أحد أهم هذه الأسباب إذ يقوم الإنسان بتأجيل مهامه حتى تتضخم وتتعقد بمرور الوقت، وحين يبتّ في إنجازها يفاجأ بحجمها الكبير الذي ظهر نتيجة مماطلته المستمرة فيصاب بالاكتئاب، ولعلنا نجد في هذا تفسيراً لحالة الاكتئاب والضيق النفسي التي تصيب العديد من الطلاب في فترة الاختبارات النهائية، فالطالب لا يداوم على المذاكرة والمراجعة بشكل مستمر، بل يترك ما كان عليه مدارسته ثم يأتي في ليلة الاختبار يريد أن يستوعب كل ما تركه خلال أسابيع طويلة! ولاشك أن هذا صعب للغاية وسيضع الطالب تحت ضغط نفسي هائل والنتيجة لذلك هي الاكتئاب والحزن. لاحظ أن الأمور هنا تسير بشكل متسلسل فنحن أمام مجموعة من الأسباب كل منها يؤدي إلى نتيجة، وكل تلك الأسباب بدأت بالتسويف وانتهت بالاكتئاب، إن المهام ككرة الثلج التي تتدحرج وتتضخم أثناء نزولها إلى بطن الوادي، وكل ما كبرت تلك الكرة كانت أشد ضرراً و أدعى للأذى لمن تصدمه، وكذلك التسويف فهو يجعل المهام تكبر وتتعقد بمرور الأيام أضف إلى ذلك أن الذهن سيضغط عليك باستمرار طالما أن هنالك بعض المهام غير المنجزة، قد تلاحظ أنك لا تشعر بالسعادة التي كنت تتمناها حين تخرج مع أصدقائك على الرغم من تظاهرك بعكس ذلك أمامهم حيث أن هنالك بحث ألزمك به الأستاذ الجامعي وعليك أن تسلمه في اليوم التالي وأنت لم تنجزه بعد، سيؤرقك التفكير بين أصدقائك في هذا البحث ولن تتمكن من قضاء جلسة سعيدة معهم.
الفوضى وغياب الترتيب من الأسباب الخفية للاكتئاب، فالنفس البشرية جُبلت على الانسجام مع التنظيم، واذا غاب التنظيم وحضرت الفوضى يُصاب الذهن بالتشتت وعدم القدرة على ترتيب الأولويات والمهام، وبالتالي من المرجح أن يدخل في حالة من الاكتئاب، وتستطيع التأكد من كلامي حين تقوم بترتيب غرفتك الخاصة أو ترتيب الملفات في جهازك وحذف مالا تحتاجه منها، وسترى الفرق في نفسيتك بنفسك.
آخر الأسباب التي سأتناولها في مقالي هي الفكر المادي، والفكر المادي يمثل العقيدة الإلحادية التي ترفض كل صنوف الغيب والميتافيزيقيا وتكتفي بالواقع المشاهد والملموس، ولا يخفى عليكم أيها الأحبة أثر الدين والروحانيات على الاستقرار النفسي والوجداني للإنسان، إن الفكر المادي يرفض كل هذا ويعتبره من قبيل الخرافة والوهم، وبذا يفقد الملحد أحد أهم أسس السعادة وهي الإيمان بالله.
لطالما كان الإيمان طوق النجاة من العديد من الأزمات النفسية، إيمانك بأن هناك قوة عادلة ومطلقة تحكم هذا الكون وتريد الخير للبشر، وأن المجرم الذي ظلمك واغتصب حقك لن يفلت بفعلته، وأن العدل اذا غاب في محكمة الدنيا ففي الآخرة محكمة سماوية قاضيها هو الله سبحانه وتعالى الذي لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء. إن الايمان بأن هناك رباً يدبر الأمر ويستجيب الدعاء ويسمع نداء المستغيثين لهو كفيل بأن يعيننا على أن نصبر على قسوة هذه الحياة ومآسيها، و أن نعوّل على الآخرة وما فيها من عدل وحساب إذا ضاع حقنا في هذا العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى