تغطيات

“أبا الخيل”: الهجاء هو أسهل الطرق للترويج للأفكار المتجذرة والخطيرة.. الجماعات المتطرفة تعزل أعضائها عن الدولة رغم استفادتها من وظائفها

إن الهتاف للأفكار المتجذرة والخطيرة بطريقة شعاراتية أو نقدها بطريقة ساذجة وسطحية، هو أسهل الطرق للترويج لها وإشاعتها بين الناس، كحال البعض اليوم مع فكر الإخوان، لم يتصوروا إشكالية هذا الفكر الأصولي الخطير الذي تحمله هذه الجماعة، ولم يدركوا أبعاده ومضامينه الفكرية.

ويظن البعض أنهم بدفاعهم عن هذا الفكر يدافعون عن الإسلام ويحرسون ثغوره، وساعدهم على هذا طائفة محدودة المعرفة تتعامل مع هذا الفكر بطريقة ساذجة ومغفلة فتظن أن الهجاء والردح هو أفضل وسيلة لمقاومة هذا الفكر، ولكنه يزيد هذا الفكر رواجا.

 الدكتور خالد بن عبد العزيز أبا الخيل عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، المشرف على وحدة التوعية الفكرية بالجامعة، يحاول أن يتجنب تلك الإشكالات وينفذ إلى بيان جوهر هذا الفكر وسر خطورته وإشكاليته.. لعلنا بعد ذلك نجد جواباً على السؤال المهم التالي:

لماذا كانت جماعة الإخوان بهذه الخطورة حتى أصدرت الدولة بيانا رسميا وصفتها فيه بأنها جماعة إرهابية؟!

واصطفت بهذا التصنيف مع جماعات العنف: داعش والقاعدة!

يقول “أبا الخيل”: “لأننا في جامعة تعنى عناية فائقة بالمعرفة والبحث العلمي، فلن أتحدث عن التأسيس العقدي الذي قامت عليه هذه الجماعة فهو معلوم لدى الكثير من الباحثين، ولكن لكي ندرك المعني الأصولي الخطير الذي يقوم عليه فكر هذه الجماعة، لابد أن نعرف الفكرة الأساسية التي من أجلها قامت هذه الجماعة وروجت له.

 لقد قامت هذه الجماعة ابتداء كما يصرح مؤسسها لتعويض حالة الخلافة العثمانية التي سقطت عام 1924، فتم تأسيس الجماعة عام 1928، وقد صرح حسن البنا مؤسس الجماعة في “مذكراته” أنه زاره في منزله، حافظ عبد الحميد، واحمد المصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حبيب الله، وإسماعيل عز، وزكي المغربي، الذين تأثّروا من محاضراته، وقالوا له: “لقد سمعنا ووعينا، وتأثّرنا ولا ندري ما الطريق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، لقد سئمنا هذه الحياة، حياة الذلة والقيود.

وأكمل رفقاء “البنا” بحسب مذكراته: “وها أنت ترى أنّ العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظّ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم يعدّون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، وكل الذي نريده الآن أن نقدّم لك ما نملك لتبرأ من التبعة بين يديّ الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا، كما يجب أن نعمل جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه وتموت في سبيله، لا تبغي بذلك إلا وجهه وجديرة أن تنصر، وإن قلّ عددها وقلّت عُدَّتها”.

فوافق البنا، وكانت البيعة، ثم تمَّ تأسيس “مدرسة التهذيب” لحفظ القرآن وشرح السور، وحفظ وشرح الأحاديث النبوية وآداب الإسلام، وصارت المدرسة مقراً للإخوان، وخرّجت هذه المدرسة الدفعة الأولى من “الإخوان” وكان عددهم أكثر من سبعين”.

 وهذا التأسيس لهذه الجماعة جاء لتعويض غياب وسقوط الخلافة كما يصرح مؤسسها البنا بذلك، ونتج عن هذا أن حاولت هذه الجماعة أن تحافظ دوماً على عدم انخراط أعضائها في الدولة، رغم استفادتها التامة من وظائفها، بل وصلت الكوادر الإخوانية في بعض الدول لأعلى المراتب في السلم الوظيفي لكن مع ذلك فهي في حالة عزلة شعورية واغتراب عن مفهوم الدولة أو الانتماء إليها.

 ولهذا عملت الجماعة على إيجاد وظيفة المرشد للقيام بالدور السياسي والمحافظة على أعضاء الجماعة من أن يذوبوا روحياً وشعورياً في الدولة المدنية المعاصرة، فاتجه خطاب الجماعة إلى جانبين مهمين وخطيرين في نفس الوقت:

أولها: الجانب التربوي: فاتجهت كتب منظري الإخوان إلى صياغة رؤية الشاب للحياة، وحددت هدفه ووظيفته فيها، من مثل “العوائق” و”المنطلق” لمحمد أحمد الراشد، وكتب أحمد فايز، وسعيد حوى.. وغيرهم، هذه الكتب هي التي كانت تشكل رؤية الشاب تجاه الحياة، وتصوغ تفسيراته لكل ظواهرها، سواء تجاه المجتمع أو تجاه الدولة، حتى تدخلت في تصميم نموذج التدين للشاب، من جهة أنماطه وشكله.

ثانيها: الخطاب السياسي الأصولي، وهو ما يعنينا هنا: فقد كانت الجماعة تكرس في وعي الشباب – إلى درجة التعبئة – بأن وطنه الحقيقي هو كل هذا العالم، ولا قيمة لهذه الحدود التي تفصل بين البلدان؛ لأنها حدود وضعها الاستعمار، مثلا يقول محمد أحمد الراشد في “المنطلق”: “حقيقتان بازغتان تصفان الداعية المسلم دوما: لا الأرض تحده ولا العذاب يرهبه، إنه يعمل إن هاجر وطرد لا يعشق تراباً ولا يضيق ضمن حدود أوهمهم الاستعمار أنها حدودهم، ويتأخى مع كل بني الإنسان، وإذا شنق كان هبوط الجبل به علوا ينقله إلى منزل جميل كريم”.

 ونتيجة لذلك اتجهت الجماعة إلى المعارضة الأزلية للدولة بمعناها الحديث، لأنها تنافي مفهوم الخلافة، فتشكل أتباعها والمتأثرون بها في جميع البلاد العربية على هذا النحو!

ولهذا يمكن القول بكل وضوح بأن (الاقتراب من فكر جماع الإخوان بأي صورة كانت يعني بالضرورة الابتعاد عن مفهوم الدولة)، وظهر من جراء ذلك مجموعة من المظاهر التي لا تخطئها العين، منها مثلا: وجود حالة من القطيعة بين الشاب المتأثر تربوياً وفكرياً بهذه الجماعة وبين الدولة، ولذلك صار الاقتراب من الدولة والانتماء إليها في عرف الكثير من هؤلاء المتأثرين سبباً كافياً للتوجس منه ورميه بالاتهام والتصنيف ومحاول إسقاطه بأي وسيلة، وربما أحيانا هدر حرمته والطعن فيه! بل وربما يصل الأمر للعنف والعدوان!

ومن المظاهر مثلا: عزل الشباب عن العلماء الرسميين الكبار، بدعوى أنهم لا يفقهون الواقع ولا يتصورن الأحداث السياسية ولا يعرفون غاياتها، ومن المظاهر أيضاً: صناعة منطقة فاصلة بين الدولة والشاب يمكن تسميتها بمنطقة الحياد الخادع، وهذه المنطقة خادعة وخطيرة بشكل كبير، وصارت في الحقيقة عبارة عن منطقة ظل يجتمع فيها كل من يحمل موقفا سلبيا تجاه الدولة، لكنه لا يجرؤ على التصريح به.

ونتيجة لذلك فأي شخص يراد إسقاطه وتحطيمه يوصف بأنه مع الدولة! وأي شخص يراد ترميزه لدى الشباب، يوصف بأنه مستقل، وله موقف من الدولة.

 وتسعى الجماعة فيما تسعى إليه إلى تشوية مفهوم ولي الأمر وتعطيل فاعليته ، فالفكر الإخواني يحارب كل خطاب يكرس هذا المفهوم ويؤسس له، ولهذا تلاحظ غياب هذا المفهوم أو ضموره في خطاب بعض الرموز الدعوية في الدروس والمحاضرات الدعوية، والنتيجة الطبيعية لهذا أن بات بعض الشباب لا يقيم وزناً لهذا المفهوم العظيم، وينفر منه نفوراً كبيراً وصار لديه الاستعداد التام أن يتأول كل النصوص الواردة فيه، بحجة أنها لا تنطبق على هذا الواقع.

ومن المظاهر كذلك  تعبئة الشباب بحالة من القلق والترقب تجاه الدولة،  فصار الشاب، نتيجة لامتلاء وعيه وعقله بخطاب تعبوي مكثف عبر مجموعة من الأدبيات الإخوانية التي تروج للخلافة، بات يعيش حالة من القطيعة والاغتراب مع الدولة المدنية، وحالة ضجر مستمر من مفردة الوطن وفي مقابل حالة من الانتشاء والزهو مع مصطلح الأمة!

والنتيجة الطبيعية لهذا أن صار الشاب يعتقد أن وجوده الحالي في كنف الدولة هو وجود استثنائي ومؤقت وعابر، بينما الحالة الدائمة والمنتظرة هي حالة الخلافة، فصارت سمة الترقب والانتظار تكاد أن تكون السمة الفكرية السائدة لحال الكثير من الشباب، إنهم يتصورن بيقين تام أنهم الآن في مرحلة الظلام الطويل، وما عليهم سوى الترقب والانتظار حتى يبزغ الفجر!!

وهذا –برأي الدكتور أبا الخيل- هو سر نجاح جماعات العنف كداعش والقاعدة وغيرها، بهذا الاستقطاب الرهيب للشباب المسلم، إذ هي -برأيه- لم تبذل جهداً كبيراً، وإنما غاية ما فعلت أنها جاءت إلى هذه الطوابير المتأخونة – شعرت أو لم تشعر – وقالت لهم بالصوت العالي: نحن الفجر القادم، فهلموا إلينا!! فهرعوا إليها زرافات ووحداناً!! “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى