احذري رشوة طفلك…!
د. رشيدة محمد أبو النصر
أستاذ مشارك بكلية العلوم والآداب بالبكيرية
أخذت الأم تداعب صغيرها الوحيد، وانشغلت في ذلك تماما وما انتبهت لصينية الحلوى الموجودة في فرن الموقد الكهربائي “البوتاجاز”، وعندما هرولت إلى المطبخ كانت الصينية قد تحولت إلى قطعة من الفحم، وبسرعة أطفأت الموقد ثم ألقت بمحتويات الصينية في سلة القمامة ثم انحنت على صغيرها قائلة”خذ هذه النقود واشتر ما طاب لك.. ولا تخبر أباك بما حدث”، وهنا اختطف الصغير النقود، وهرول مسرعا للخارج لينفذ وصية أمه.
الحق أن هذا الموقف يحدث كثيراً في بيوتنا مع اختلاف الحدث والزمان والمكان، وهنا يثور في الذهن تسأل مؤداههل ما قامت به الأم حيال إقناع الصغير بعدم طرح الموضوع على والده من خلال إعطائه بعض النقود أو الحلوى يعتبر رشوة؟ وهل ذلك ينمي في ذهن الصغير مشاعر مغلوطة يرفضها الدين وتأباها العادات القويمة؟ طرحت هذا السؤال على خبير واستشاري نفسي د. إبراهيم حلمي استشاري الأمراض النفسية والعصبية فقال لي إن مبدأ الثواب والعقاب أمر معروف.
وهو من المبادئ التي تستخدم لتعليم وتهذيب الناشئة الذين لا يستوعبون الأفكار، ولا يؤدون ما يطلب منهم إلا بناء على حافز مادي معين يوجه إليهم، والمبدأ في حد ذاته أسلوب جيد ولا غيار عليه في التربية والتعليم، ولكن قد يستخدمه رب الأسرة لإقناع الطفل بإخفاء حقيقة أم شيء خطأ، أو تنفيذ شيء غير مرغوب فيه أحيانا مثل الأم التي تعطي لصغيرها شيئا من المال في سبيل إخفائه لخطأ ارتكبته الأم عن جهل وعندما يراها صغيرها فإنها تطلب منه السكوت على ما رأى وعدم إخبار أبيه في مقابل مبلغ من المال طمعاً في إغرائه أو إغوائه.
وفي الواقع إن استخدام سلاح المال في فرض ما يريده المربي من الطفل يعود الصغير على عدم تنفيذ ما يطلب منه إلا بعد مكافأة معينة، أي اعطاؤه ما لا يستحق لتنفيذ ما يستحق وهنا تقع الطامة الكبرى فالطفل يشب على أن يطلب مقابلا لا يستحقه في مواضع يطلب منه فيها القيام بواجب مفروض عليه، وهذا ما يمكن تسميته (بالرشوة)، والمؤسف في هذا السلوك ليست الرشوة في حد ذاتها ولكن الاعتقاد الذي يرسخ في ذهن الصغير بأنه حق مكتسب له حسبما تعود عليه في حياته ومن مثله الأعلى وهما الوالدان أو أحدهما. وأضرار هذا السلوك هو تعويد الطفل على الانقياد و تنفيذ سلوكيات معنية من دون أن يفهم ما وراء هذه السلوكيات سواء كانت ضارة أو نافعة، فتصبح شخصيته سلبية ضعيفة، لاتفيد المجتمع الذي يعيش فيه، لذا فإنه من الضروري بمكان إقناع الطفل كل حسب قدرته العقلية بما هو مطلوب منه من دون إعطائه مقابل، وإذا اضطر الوالدان لإعطائه مكافأة فتكون لتشجيعه فقط على الجوانب الإيجابية وحتى هذا ينبغي أن يكون مرهونا بالمرات الأولى لقيامه بتنفيذ هذه المهمة كأن يمنح مكافأة على أول يوم يصومه في رمضان أو مكافأة على حصوله على أعلى درجة في الامتحان.
وهكذا تكون هذه المكافآت لتشجيعه وفي المرات الأولى التي يحسن فيها الصغير شيئا ما جديدا عليه ثم توقف هذه المكافئات عندما يدرك الصغير أن ما يقوم به هو واجب عليه.
ويرحم الله الشيخ محمد الغزالي فقد ذكر في كتابه “خلق المسلم” أن حسن الخلق لا يؤسس في المجتمع بالتعاليم المرسلة أو بالأوامر والنواهي المجردة، إذ لا يكفي في طبع النفوس على الفضائل أن يقول المعلم أو المربي لابنه: افعل كذا، أو لا تفعل كذا، فالتأديب المتمر يحتاج إلى تربية طويلة ويتطلب تعهدا مستمرا، ولن تصلح تربية إلا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة، فالرجل السيئ لا يترك في نفوس من حوله أثرا طيبا.
وفي النهاية يثور سؤال: هل يستقيم الظل والعود أعوج؟