الرأي

الصدفة عند الملحدين

عبدالرحمن الشنقيطي
طالب في كلية الاقتصاد والادارة


حين يأتي فكر جديد ليحل محل الفكر التقليدي فإن اول ما يتوجب عليه هو أن يثبت أنه بديل قادر على تفسير القضايا على نحو أفضل مما كان يفعل الفكر التقليدي، وهو ما سعى الملحدون إليه حين رفضوا الايمان بوجود خالق أوجد الحياة من العدم , يرفض الملحدون النظرية الإيمانية القائلة بالخلق من العدم وأصبحوا بذلك ملزمين بتقديم نظرية بديلة يقنع بها الناس، فجاؤوا بعدد من التفسيرات لعل من أشهرها “نظرية الصدفة”، ومفادها انه في لحظةٍ ما وتحت ظروف معينة لا ندري ما تفاصيلها ولا كيف تكوّنت , حدث الانفجار العظيم الذي نتج عنه الغبار الكوني والذي أدى بدوره ومع مرور مليارات السنوات الى نشوء الكواكب والشموس وظهور الارض بما تحمله من حياة وانهار وحدائق ذات بهجة .
قد لا نختلف كثيراً مع الملحدين في فكرة الانفجار العظيم ( خاصة ان القرآن يشير الى شيء مشابه في قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الذين كفروا أَنَّ السماوات والارض كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهم ) ولكن الخلاف في كون هذا الانفجار وليد الصدفة المحضة، إن نظرية الصدفة واهية من أساسها فالصدفة حتى لو حصلت فمن المستحيل ان تحدث بدون وجود عناصر معينة تشتبك مع بعضها بطريقة عشوائية لتعطي نتيجة ذات معنى , فأنت حين تكتب اسمك الاول على ورقة صغيرة ثم تلقي بها في سلة تحوي آلاف الاوراق المقصوصة والمبعثرة , ثم تغمض عيناك وتقلب بيدك في هذه السلة لتخرج بورقة واحدة وتُفاجأ انها هي نفس الورقة التي تحمل إسمك , فأنت هنا قد وجدت اسمك بمحض الصدفة ولم يكن لك خطة مدروسة لإيجاده، إن الصدفة هنا لم تحدث دون وجود عناصر وظروف محددة ساعدت على ظهورها ( الورق، السلة، يدك التي كنت تقلب بها، الورقة المسماة ) ، وهو ما لا ينطبق على الكون وأصل الحياة، فالكون ظهر من العدم التام , والعدم فراغ لا يحوي أي عناصر او ظروف تساعد على ظهور خبطة عشواء نسميها “الصدفة”، ولو افترضنا انه ثمة عناصر غير مفهومة ركّبت الصدفة التي انجبت الحياة ، فهل يكفي ان يكون هناك عناصر دون وجود ادارة و ارادة تركب هذه العناصروتنسّقها مع بعضها البعض ؟ جرب ان تفكك جهازك المحمول الى قطعه الاولية ثم قم بجمعها في صندوق وهزّها كما يُهز الغربال، هل تعتقد ان هذه الحركة ستعيد تركيب الجهاز كما كان ؟ لن يحدث هذا ولو ظللت تهز الصندوق مليار سنة !
ونحن إذ نناقش فرضية الصدفة الالحادية لنا ان نعجب كيف يدّعي الملحدون العقلانية والمنطق ويتهموننا بالمقابل بالتخريف والوهم , ولنا ان نسأل : أليست نظرية الخلق التي جاءت بها كل الأديان أكثر منطقية وعقلانية من القول بالصدفة ؟ اذا كان هذاالكون بجبروته والحياة بتعقيداتها الهائلة بنت الصدفة إذن ليكن كل ما حولنا صدفة بما في ذلك مقالي هذا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى