لغز الذاكرة البشرية
د. إيناس غريب
أستاذ علم النفس بكلية التربية
مازالت الذاكرة البشرية تشكل لغزا غامضا يدهش الباحثين المختصين بدراستها، فكل ورقة بحثية تكشف جديدا، فحين أجرى الباحثان “جون بالمر وإليزابيث لوفتس”، تجربة عن مدى تأثير اللغة على الذاكرة، عرضا خلالها على مجموعتين من المشاركين مقطع فيديو احتوى على مشهد لحادثة ارتطام سيارتين.
وتم توجيه بعض الأسئلة حول الحادث مع تغيير في صياغة الأسئلة المطروحة فكان السؤال الذي وجه للمجموعة الأولى: كم كانت سرعة السيارتين وقت الحادثة تقريبا؟
بينما طرح نفس السؤال ولكن بصيغة أخرى على المجموعة الثانية فقيل لهم: كم كانت سرعة السيارتين عندما اصطدمتا بشدة؟.
حيث توقع الأشخاص الذين وجه إليهم السؤال المتضمن نتيجة أكثر عنفا للحادثة أن سرعتهما تخطت 41 ميلا في الساعة، بينما توقع الآخرون أن سرعتهما أقل من 34 ميلا في الساعة.
وليس هذا فقط.. فعندما قاموا بطرح سؤال آخر على المجموعتين والذي تضمن “هل احتوى الفيديو على وجود زجاج مهشم من السيارتين؟ كانت المجموعة الثانية أكثر قابلية للإجابة بنعم على الرغم من عدم وضوح هذا فعليا بالفيديو.
فالمتعمقون في دراسة ذاكرة البشر وجدوا أنها ليست ملكا لصاحبها ولا تحت سيطرته فهي أقرب لصفحات الويب التي يستطيع من يدخلها التغيير في محتواها متى شاء وكيفما شاء.
فالذاكرة لا تتغير فقط بواقع اللغة ولكن من خلال عمليات عدة للتشويه منها: إعادة تشكيلها بمعلومات مغلوطة يلقيها الآخرون حول فعل ما لم ترتكبه، ثم لم يكن منك بالأخير إلا الاعتراف به، بل وإدخال بعض التفصيلات الدقيقة التي تتناسب وهذا التشويه.
ولا يتوقف هذا الأمر عند الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بضعف الذاكرة، حيث أثبتت الدراسات أيضا أنه يمكن تزييف ذاكرة أولئك الذين يتميزون بذاكرة خارقة، ومن هذا نستخلص أن الثقة المفرطة بذاكرة البشر على اختلافهم قد تكون في كثير من الأحيان محل شك.