بيئة

المساجد الصديقة للبيئة توفير للطاقة وإسهام في أنسنة المدن

المصدر : أ.د. عبد الرحمن عبد الله الصقير
عضو هيئة التدريس في كلية الزراعة والطب البيطري
ورئيس مجلس إدارة جمعية آفاق خضراء البيئية

في ظل تزايد عدد السكان وما يتبعه من اتساع النطاق العمراني وكثرة المباني الخرسانية والطرق الاسفلتية وزيادة وسائل المواصلات وما ينتج عنها من ملوثات خطيرة وارتفاع لدرجات الحرارة بسبب ما يسمى بــــ ” بؤر الاحترار الحضري “Urban Heat Islands” ، تحرص كثير من مدن العالم على البحث عن حلول لهذه المشاكل المتفاقمة.

الأشجار خط الدفاع
وتعد الأشجار هي خط الدفاع الأول والأهم والأقل تكلفة لخفض التلوث بأنواعه المختلفة، حيث قدرت القيمة البيئية السنوية للأشجار في احدى الولايات الامريكية بما يقارب الـمليار دولار، بالأخذ في الاعتبار دور الأشجار في زيادة الأكسجين وتقليل الملوثات والضوضاء وتقليل درجة الحرارة وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة إلى غير ذلك من الفوائد البيئية، كما قدر أن وجود 4 أشجار كبيرة أمام كل منزل يسهم في خفض انبعاث الكربون من محطات الطاقة بما يقارب 41 ألف طن سنوياً، وهذه كمية كبيرة جداً تبين الأهمية البيئية للتشجير داخل المدن، فلا غرابة اذا أن تقدر إحدى الهيئات المعنية بالبيئة في بريطانيا أن كل جنيه ينفق على التشجير يعود بسبعة جنيهات من الفوائد الصحية والاقتصادية والبيئية.

الحاجه للتشجير
وتزداد الحاجة للتشجير في المناطق الصحراوية ذات المناخ المتطرف كالمملكة؛ فبالإضافة إلى مصادر التلوث المصاحبة للتنمية والنمو السكاني، تعاني غالبية مدن المملكة من العواصف الغبارية المتكررة والارتفاع الكبير في درجات الحرارة في أشهر الصيف الطويلة مما يتطلب استهلاك كميات عالية من الطاقة للتبريد وهذا ما يحتم الاهتمام بالتشجير كخيار استراتيجي يتحقق من خلاله العديد من الأهداف.
المناطق الخالية من الأشجار مناطق غير صحية
ولتحقيق نقلة نوعية للتشجير في مدن المملكة لابد من الالتفات إلى كل المساحات الخالية من الأشجار في المدن والقرى والتحرك من خلال قناعة مفادها أن “أي منطقة خالية من الأشجار هي منطقة غير صحية” يجب معالجتها بالطريقة المناسبة، كما ينبغي اشراك كافة القطاعات الحكومية والخاصة في “هبة” تشجيرية وفق أسس مدروسة.
إن تشجير المساحات الخالية من الأشجار أمام المنازل والمدارس والمستودعات والمساجد والمستشفيات والبنوك وغيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية كفيل بإضافة ملايين الأشجار المفيدة بيئيا وصحيا واقتصاديا وجماليا، كما أن الاستفادة من المياه الرمادية “وهي مياه التغسيل والوضوء” في المساجد والجامعات والمستشفيات ومحطات الوقود وغيرها واستخدامها في سقيا الأشجار يحقق العديد من المزايا ويعود على الانسان والبيئة بالخير العميم. ولقد ادركت بعض الجهات الحكومية والتطوعية أهمية الاستفادة من المياه الرمادية في التشجير، فعلى سبيل المثال قدمت جمعية آفاق خضراء البيئية ” وهي جمعية بيئية تطوعية” نموذجا تطبيقيا للاستفادة من المياه المهدرة في سقيا الأشجار من خلال مبادرتي #المساجدالصديقةللبيئة و #المدارسالصديقةللبيئة ضمن مبادرة شاملة عنوانها “المباني الصديقة للبيئة”، حيث تم تشجير مسجدين في مدينة الرياض بالاستفادة من مياه الوضوء المهدرة. وبالنظر لعدد المساجد في المملكة والتي تناهز المائة ألف مسجد، فإن زراعة ما متوسطه 50 شجرة أمام كل مسجد بالاستفادة من مياه الوضوء المهدرة يعني اضافة 5 ملايين شجرة للمنظومة البيئية في المملكة بالاستفادة من مياهٍ كانت ستشكل عبئاً على شبكة الصرف الصحي حيث ذكر أحد التقارير الصحفية أن الاستفادة من تلك المياه المهدرة في المساجد من شأنه توفير ما يقارب 400 مليون ريال سنوياً، هذا عدا ما تقدمه الأشجار المزروعة من مزايا في تقليل الملوثات وتوفير الظل وخفض درجات الحرارة وما يتبعه من تخفيض استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة تصل إلى %25 وهي نسبة كبيرة جدا بالنظر لما ذُكر من أن فاتورة الكهرباء لمساجد المملكة تصل إلى 8 مليارات ريال سنويا، هذا بالإضافة إلى الناحية الجمالية التي تنعكس على صحة الإنسان النفسية وتسهم في أنسنة المدن، ولنا أن نتخيل تطبيق هذه الفكرة في مئات الآلاف من المباني التي تشغلها المجمعات التجارية والمدارس والجامعات والمستشفيات ومحطات الوقود وغيرها.
إن زيادة الرقعة الخضراء في مدن المملكة بمشاريع تشجير مدروسة مطلب في غاية الأهمية للإسهام في الحد من الاحتباس الحراري وتعزيز جودة الحياة وتحسين البيئة وتقليل التطرف المناخي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى