في التماس العذر
هاجر محمد السديري
قسم اللغة العربية وآدابها
عن المحيط الجامعي والحياة الإنسانية وما يصحبنا من ظروف خارجة عن إرادتنا تخيل نفسك في ما أقوله الآن..
أنت شخص نهضت من فراشك في الساعة ربما تكون الخامسة، رتبت شؤون صباحك باعتناء جيد، لكن لا بد من القدر إذا شاء.
في القليل من الأيام خلال مسيرتي الجامعية كنت قد تأخرت على محاضرتي ليس النصف وإنما الخمس دقائق.
تخيلي نفسك بانتظار السائق وقد تأخر بلا ذنب منك.
حينها تركضين في زحام المرور.
تتخطين على عجل ازدحام الحافلات والسيارات من أمام بوابة رقم 4 في الكلية الأدبية في بريدة.
عندما وصلتي تركضين ركض الخائفين
فقط لأنه مضى خمس دقائق على محاضرتك.
لكن بعد هذا كله عندما وصلتي وطرقتي الباب باحترام وطلب إذن لك بالدخول؛ ماذا تتوقعين ذلك؟
تخيلي معي كل ما رتبتيه في صباحك واعتنيتي به
فقد اعتذرت الدكتورة المحاضرة أن لا يدخل بعدها أي طالبة ولو كان بدقيقة.
والله إني لأتعجب من ذلك.
إذا نحن نريد التماس العذر لم تخلق الحياة يا دكتورة لا تقفي عند هذه المحاضرة فقط.
يجب علينا أن نوسع أذهاننا، فالحياة لم تعد بسهولة مثل ما يتوقع البعض بأن على كل طالبة أن تحضر في تمام الوقت رغماً عن أنف الظروف كيف ذلك؟ لا! هناك أقدار قدرت وشاءت لا ينبغي أن تعترضي عليها.
يجب التماس العذر
فأين نحن ممن سبقونا في التماس العذر لإخوانهم، وكيف بحالنا الآن لا يلتمس لعذرنا هذا وقد كان لطلب العلم.
فقد ذكر عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال: “أعقل الناس أعذرهم لهم”.
ذكره ابن حبان -رحمه الله- في (روضة العقلاء)
وقال أبو قلابة: التمس لأخيك العذر بجهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل لعل لأخي عذراً لا أعلمه.
ذكره ابن أبي الدنيا في مداراة الناس.
وقفة إذاً دعك عزيزي القارئ من هذا كله
عندما أردت العودة للبيت لأن وجودي في الجامعة أصبح بلا فائدة.
ركض الخائفين أصبح بلا فائدة
تخطي الازدحام المروري إذاً أصبح بلا فائدة.
كل ما اعتنيت به في صباحك بلا فائدة، لعدم وجود من يلتمس لك العذر، تخيلي نفسك وقد أردتي الخروج من جامعتك والعودة للبيت تبحثين عن سائق وقد انشغل الإخوة بأعمالهم.
كنت حينها أُرهقت جاهدة لاستقدام سائق في الصباح، لكنه أصبح بلا فائدة أيضا!!
عندما وصلت إلى المنزل؛ وقالت لي أمي رحمها الله: ما الذي أتى بك باكراً وكأنك لم تذهبي!!
والله كنت أستحي من أمي -رحمها الله- أن أقول لها هذا العذر.
هل أقول لها إن الدكتورة اعتذرت أن لا تدخل بعدها طالبة ولو كان بدقيقة.
كنت أستحي أقول لأمي -رحمها الله- ذلك.
أشعر أنه عذرُ بلا فائدة، لا جدوى منه.
وكأن أمي -رحمها الله- كانت تريد أن تقول لي أنت محقة فيما تقولين هل هناك من يفعل ذلك؟!! دون التماس العذر.