الرأي

كيمياء الحياة

عبدالرحمن الشنقيطي
طالب في كلية الاقتصاد والادارة


لكل شيء في هذه الحياة نقيضه، فأمام الليل يقف النهار وأمام الموجب يوجد السالب، وإمام الحياة يوجد الموت، يعيش أحدنا في هذه الدنيا ويخالجه شعور بأن الحياة حالة أبدية وأن الموت احتمال مستبعد، ولعل هذا ما يفسر حالة الصدمة والإنكار الذي يًصاب به المقربون من الميت بعد وفاته،أنهم يتصرفون كما لو أن الموت لا وجود له و أنه لن يأتي، وأن المفترض أن يبقى الإنسان خالد،الموت قدر الجميع وكل ما عدا الله فان،والعجيب أن الموت حالة نعايشها يوميا ونتلمسها في ما حولنا بل حتى في انفسنا، فحين تغسل يدك بالصابون تموت ملايين الجراثيم بين رغوة الصابون وامواج المياه ثم تأتي جراثيم لتحل مكانها، وكذلك خلايا الدم يموت منها أعداد هائلة يومياً لتتجدد مكانها خلايا أخرى، وعلى المستوى المعنوي نجد تجليات الموت في القلق والكآبة والبؤس وانعدام الأمل والسلبية وسطوة الأفكار العدمية التي تسلب طاقاتنا وتوجهها نحو الموت، هذا و إن الموت ليس طارئاً جديدا بل هو حالة سبق ان عشناها،يقول الله : (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) البقرة: 29
ولذا علينا ان لا نخاف من الموت بقدر ما علينا أن نستعد له بالعمل الصالح الذي يقربنا الى الله ويحبب إلينا عباده، فالحكيم من اتعظ بغيره وعلم أن لا دار له بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل موته يبنيها .
و أصعب أشكال الموت على النفس هي تلك التي تأتي فجأة، يعيش أحدهم بيننا بكامل صحته وعافيته ثم يداهمه الموت فجأة ليخطفه من بيننا في حادث سيارة أو جريمة قتل أو أي حدث لم يكن في الحسبان، وفي مثل هذه الحالة تكون حالة الإنكار عند المبتلين أكبر ووقعها أعظم وطأة، لكونهم لم يرصدوا أي مؤشرات تشير إلى قرب أجل هذا الإنسان، بعكس الحالات التي تكون فيها الوفاة متوقعة مثل الوفاة التي تعقب المرض الشديد .
والتغلب على الموت وقهره حلم راود البشرية منذ الأزل ويتداول الأدباء والكيميائيون مسمى “أكسير الحياة” وهو مسمى افتراضي لشراب من تركيبة معينة تحقق الحياة الأبدية والشباب الدائم لشاربها، وقد سعى الكثير من القدماء الذي اشتغلوا في العصور الغابرة بالخيمياء ( الكيمياء القديمة ) للتوصل إلى صناعة هذا المشروب ولكن محاولاتهم باءت بالفشل،ونحن نحمد الله أنها باءت بالفشل ! فليس من مصلحة الإنسان أن يبقى خالداً في هذا العالم،إذ لا يمكن الجمع بين التكاثر البشري والخلود في كوكب محدود المساحة والحجم، فبالموت تتجدد الحياة وتظهر أجيال تلو أجيال مما يعني أفكارا ابداعية جديدة ودفعة حضارية يشحنها الجيل الجديد نحو الأمام بعد أن ذهب الأقدمون إلى ربهم، لقد كان من الاجدر بأولائك “الخيمائيون” أن يدركوا هذه الحقيقة و أن يدفعوا بالناس إلى الاستعداد لآخرتهم بدل أن يشغلوا أبناء عصرهم بتلك الأوهام والأكاذيب
أسأل الله أن يتغمد والدي وجميع اموات المسلمين بواسع رحمته وفضله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى