الرأي

عدوان في قميص نصيحة

نورة الحربي
نعلم جميعاً أن المدارس والجامعات تجمع في أحشائها طلاب من شتى أصقاع المعمورة ومن كافة الطبقات والأجناس والأعراق والأديان والطوائف فتصهر هذه الاختلافات لتصبها في بوتقة التعليم، ولكن يبدو أن هذا شيء يجهله (البعض) من أعضاء هيئة التدريس أو المدرسين أو أي منسوبي المدرسة فلا يراعي الفروق في الشخصيات والعقول أثناء إلقائه بعض العبارات التي قد تؤلم أحدهم، والمفترض أن يكون الأستاذ الجامعي أو المعلم – بشخصيته وتصرفاته – (منهج )  يتعلم منه الطالب، يقتدي به وينتبه لأبسط حركاته وسكناته وهدوئه وغضبه وزلات لسانه إلى أوضح تصرفاته.
ولكن عندما يأتي بكل اتجاهاته السلبية وتحيّزاته وعنصريته المقيتة والصورة النمطية المتبلورة بعقله عن فئة أو مجتمع ما، فينشرها على مسامع التلاميذ، فهذا خطأ كبير لأنه قد بدأ يتدحرج من على سلم الأخلاق، فقد بدأ يستخدم السلطة التي فوضت إليه والصلاحيات التي خولت له،  ضد الطالب الذي لولاه لما وجد في منصبه ! 
والأدهى من ذلك والأمرّ لو بدأ يحقن أذهان التلاميذ بعباراته السامة المليئة بالاستحقار للطالب نفسه والنقد السلبي لمجتمعه والاستهتار ببيئته.. سواء كان ذلك بشكل صريح أم ضمني! 
يتفنن ويبدع بهدم صوامع الاعتزاز لدى الطالب، ماهر جداً في بناء النظرة الدونية والانهزامية الذاتية لدى الطالب.. 
وليس ذلك وحسب بل هو ينوّع بأساليب الاستحقار فتارةً بصوت غاضب مملوء بالتعنصر، وتارة بضحكة هادئة ساخرة جارحة، وتارة بعدوان لفظي في قميص نصيحة، وتارة بحكم مسبق غير قابل للمناقشة، وأحيانًا بعبارة صريحة مؤذية وأخرى بعبارة تنفلت وكأنها زلة لسان، ولكنها مقصودة ! 
وأساليب أخرى قد لا أحصيها لكنه حاذق بها! 
المعلومة التي قد لا يعرفها هذا الأستاذ أو الأفضل أن نقول: “الحاصل على درجة علمية تخوله العمل بسلك التعليم ولاسيما لو كان ليس من أفراد المجتمع الأصليين، أنه يتكلم أمام عقليات مختلفة وأنماط شخصية متغايرة كل منهم يفهمها بطريقته وتتفاعل مع مكونات شخصيته فيظهر ذلك من خلال سلوكه أو تحصيله الدراسي فهل من المعقول أن تكرر على شخص عبارة “يا غبي” أو ” يا كسول” وتبدأ برسم هذه الصورة في مخيلته في كل حصة أو كل محاضرة ثم تنتظر منه أن يكون جهبذ أو عبقرية ضخمة ! لن يحدث هذا حتى يلج الجمل في سم الخياط.
ثانيا: من أين لك بهذا الاتجاه السلبي أو هذه الصورة النمطية، بناءً على ماذا؟ هل بناءً على ما تربيت عليه من عادات فانية وما بني على فاني فهو فاني! أم بناءً على ما يظهر لك من الإعلام الكاذب! أم بناءً على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يُعلم من يكتب خلف الشاشات؟ أم بناء على شخص أو اثنين أو عشرة التقيتهم فبدأت تصدر الأحكام وتعمّم  وكأنك جهبذ زمانك وحكيم عصرك وعلاّمة هذا القرن! وكأنك عكفت الدهور على عمل الإحصائيات وتقنين العينات ودراسة النتائج والبيانات وأفنيت الليالي لتخرج بهذه المعلومات لهذا الطالب. 
وثالثاً: تأكد يا عزيزي أن هذه العبارات ربما تكون دخان لاتجاه سلبي داخلك بُني على شفا جُرفٍ هارٍ قد ينهارُ بأي لحظة ولكنها حالما تخرج من بين شفتيك فهي معلومة وربما حقيقة لدى طالب تجلس أمامه ويعتبرك “إمامه”.
رابعاً : هل تعتقد أن هذا الطالب الذي تعطيه في كل يوم حقنة تشاؤم وجرعة سلبية سيطمئن لك ويصغي لما تشرح ؟!
اعلم أنك عندما تتعنصر وخاصة لو كان ضد فئة ينتمي لها الطالب فإنك وقعت على عقد بناء حواجز راسخة بينك وبينه لا يمكن هدمها بسهولة.
لذلك قد تستغرق من الجهد أضعاف حتى تستطيع إيصال المعلومة لأذهانهم،  فأحسنت وطوبى لك على هذه الجهود غير المباركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى