خلال استضافته في الجامعة مستشار خادم الحرمين عبدالعزيز بن سطام: الشريعة تعلو على الدستور وتمنح الشرعية للقوانين والأنظمة
شدد على ضرورة التمييز بين الدول الدينية والدنيوية والإسلامية
عبدالعزيز بن سطام: مستقبل التعليم الشرعي والتطبيق القضائي بالمملكة يعول على الكليات الشرعية عامة وشريعة القصيم خاصة
أكد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين، أستاذ السياسة الشرعية بالمعهد العلمي للقضاء، على ضرورة التمييز بين الدولة الدينية والدولة الدنيوية والدولة الإسلامية، مشيراً إلى أن الشريعة ليست ضمن نصوص الدستور وفق المعنى الدقيق للنظام الأساسي للحكم، بل إنها تسمو عليه وتعلوه منزلة ومكانة، بحيث تكون حاكمة عليه، ولذا ليس صحيحا القول بأن نصوص النظام الأساسي للحكم جعلت الشريعة حاكمًا، ذلك أن الشريعة لا تُجعل، بل هي التي تُضفي على أحكام وقواعد النظام الأساسي للحكم قيمته وإلزاميته.
جاء ذلك خلال زيارة سموه لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم، يومي الاثنين والثلاثاء الموافقين ٣٠/٣ – ١/٤/١٤٣٩هـ، حيث كان باستقباله لحظة وصوله للمدينة الجامعية، الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن حمد الداود مدير الجامعة، الذي عبر عن فخره واعتزازه بهذه الزيارة التي تهدف لإثراء المهتمين والمتخصصين بالقوانين والأنظمة، وإكسابهم المزيد من العلم في مجال الأقضية من المنظور السياسي، وقدم معاليه درعاً تذكارياً لسمو مستشار خادم الحرمين.
وأكد سمو الأمير خلال الزيارة أن المقصد من هذا اللقاء هو رغبته في التواصل مع منسوبي الكلية، وخدمة وتقوية هذا المصدر الذي تنهل منه هذه الدولة، كأثر لتوصيات عديدة رفعت له من لجنة عمداء كليات الشريعة على مستوى المملكة، حيث ركز سموه على التحديات الآنية والمستقبلية التي تتعلق بسن الأقضية في المملكة، سواء ما تعلق منها بالأوامر والمراسيم الملكية أو بالأنظمة المختلفة، أو بتطبيقات القضاء.
وشدد سموه على ضرورة دعم الفكر المنضبط في ما يتعلق بالتوفيق بين الأنظمة، مع مراعاة أن الحاكمية للكتاب والسنة، دون إفراط أو تفريط، في معنى السياسة الشرعية، ومنهجها في تحقيق مصالح أفراد المجتمع السعودي والعمل على مواكبة التطورات المتلاحقة في نظم المقارنة والدول المتقدمة في إطار الالتزام التام بأحكام الشريعة، مشيراً إلى أن المصلحة المنضبطة بالشرع الحنيف هي مناط السياسة الشرعية في مجال سن الأقضية، مع ضرورة الترحيب بكل تطور وكل جديد يأتي تحت مظلة الشريعة الإسلامية.
وأوضح صاحب السمو الملكي أن مستقبل التعليم الشرعي والتطبيق القضائي وسن الأقضية في المملكة، معولاً على الكليات الشرعية عمومًا وشريعة القصيم على وجه الخصوص، في دفع زمام المجتمع نحو تحقيق مزيد من الاستقرار والتقدم، وتأهيل جيل من خريجي كليات الشريعة قادر على خوض تحديات الحاضر والمستقبل بالعلم والدين والكفاءة.
وأكد سموه على أن دور النظام الأساسي هو التأكيد على أن الشريعة هي الحاكمة وتمنح الشرعية له وللقوانين والأنظمة التي هي دونه، وهو ما يميز المملكة عن غيرها من الدول الإسلامية، التي جل ما تصبو إليه أن ينص في دساتيرها على أن الشريعة الإسلامية مصدر للتقنين أو مصدر أساسي أو مصدر وحيد، ذلك أن النظام الأساسي لم يجعل الشريعة مصدرا للتشريع، فهو لم ينشئ حكمًا بل قرره.
وتناول مستشار خادم الحرمين خلال كلمته أهمية ضبط العلاقة بين الشريعة الإسلامية والأنظمة، مشيرًا إلى تفرد النظام الأساسي وتميزه عن دساتير الدول الإسلامية الأخرى، مؤكدًا على أن كل محل يراد شغله بنظام هو مشغول بالشرع ابتداءً، وأن مقتضيات العصر تفرض الأنظمة فرضًا لا فكاك منه ولا بديل عنه، بالإضافة إلى أن تحديات الحاضر تتمثل في إقامة التوازن الأمثل والتكامل المنشود بين الأنظمة وأحكام الشريعة الإسلامية.
وشهدت الزيارة العديد من الفعاليات التي تمثلت في عرض ورقة عمل، ومناقشة عدة موضوعات، وعقد حلقات نقاش متخصصة في سن الأقضية من منظور السياسة الشرعية، ومصدر السلطة في النظام الأساسي للحكم في المملكة، استفاد منها المتخصصون في الشريعة، وأعضاء هيئة التدريس في قسمي الفقه وأصول الشريعة، والمهتمين من أساتذة الكلية، والمتخصصين في برنامج الأنظمة بالكلية.
وهدفت تلك المناقشات التي احتضنتها قاعة ابن عثيمين بكلية الشريعة بالجامعة إلى تأصيل العلاقة بين الواقع العملي من جهة، والدراسة العلمية من جهة أخرى، وذلك لإثراء وتبادل المعرفة والخبرات بما يخدم المجتمع والدولة وقضايا التنمية، كما تضمنت نقاشات اليوم الثاني من الزيارة تطوير مناهج الدراسات العليا في الشريعة، من منظور السياسة الشرعية، مٌستفيداً منها أساتذة الدراسات العليا، بالإضافة إلى محاضرة علمية عامة تناولت تطبيق الأنظمة من منظور علم الاجتماع العدلي، شارك فيها أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، إلى جانب المهتمين من الجهات الحكومية الأخرى بالمنطقة من وزارة العدل، والشؤون الإسلامية، والنيابة العامة، وهيئة الرقابة، والهيئات الأخرى.