أخبار الجامعة

الاشعة التشخيصية بين الحاجة والعادة

د. عبدالرحمن السياري 

أستاذ مساعد

قسم تقنيات الاشعة

كلية العلوم الطبية التطبيقية

يلاحظ من خلال الزيارات الميدانية أو الاطلاع على السجلات الطبية وجداول المواعيد في أقسام التصوير الطبي في مستشفيات المملكة العربية السعودية زيادة عدد الفحوص الإشعاعية وتكرارها بغض النظر عن مدى الحاجة إليها أو استبدالها بما يتوفر من وسائل تشخيص أخرى يكون الخطر من استخدامها محدودا إن لم يكن معدوما. ولا يخفى علينا أن الأشعة الطبية تعتبر في الوقت الحاضر أصبحت هي العين للطبيب لتشخيص ومعرفة مسببات الأمراض للمراجعين للعيادات الطبية. ولذلك أصبح من الروتين الوظيفي للطبيب طلب الفحص الإشعاعي للمريض في كثير من الحالات ما أسهم في رفع عدد الفحوصات الإشعاعية في المملكة العربية السعودية إلى عشرات الملايين سنوياً خلال العقدين الأخيرين. ولا يخفى أن سبب ذلك يعود إلى التطور المستمر في أدوات التشخيص الإشعاعي وإدخال التكنولوجيا الحديثة في الحصول على الصور الإشعاعية وتحسينها. ومن المعلوم فإن هذه الأنواع من الفحوصات الإشعاعية تعرض المرضى للإشعاع المؤين، مما قد يرفع من خطر إصابة الشخص بالسرطان مدى الحياة لا سمح الله. ولذلك تسعى جميع الجهات الطبية والإشرافية على مراقبة استخدام الأشعة التشخيصية وقياس معدلات الجرعات  الإشعاعية للمرضى والعاملين في المجال الطبي وأيضا المجتمع بشكل عام والعمل على تقنينها والتقليل من الإفراط في استخدامها. 

ويمكن تعريف الإفراط في استخدام طلبات الفحوص  الإشعاعية إلى أنها الاستخدام غير القانوني من أجل تسريع خروج المريض المنوم او عدم عمل الفحص السريري للمريض الزائر. وقد خلصت بعض المنشورات أن ما يصل إلى 20 -50% من إجراءات التصوير ذات التقنية العالية تفشل في توفير المعلومات التي تحسن معالجة وشفاء المرضى، بل وصلت إلى نسبة 70% في أحد مستشفيات منطقة القصيم، وبالتالي قد تصنف تحت سلسلة خدمات التصوير غير الضرورية على أقل التقديرات. وكثيرا ما يؤدي الإفراط في الاستخدام إلى تعريض المرضى لجرعات إشعاعية لا لزوم لها، ويزيد من الجرعة المتوسطة للمجتمع نتيجة التعرض للأشعة الطبية.  

وفي الآونة الأخيرة تبذل الجهات المسؤولة ممثلة بوزارة الصحة وهيئة الدواء والغذاء في السعودية وهيئة التخصصات الصحية العديد من الجهود للتيقن من أن كل المرضى يعمل لهم الفحص الإشعاعي المناسب في الوقت المناسب والجرعة  الإشعاعية المناسبة. وقد وجد أن أهم أسباب الإفراط في استخدام الأشعة في المملكة هو الجهل بخطورتها من قبل شريحة كبيرة من المجتمع بما فيهم بعض الأطباء الممارسين، وتساهل الممارسين الإشعاعيين في عمل الفحوصات بدون التأكد من مدى استفادة المريض أو احتياج الحالة لذلك، اعتماد الأطباء على الفحوصات  الإشعاعية بشكل عام وعدم تطبيق معادلة الفائدة والضرر قبل طلب الفحص الإشعاعي وأيضا عدم وجود قوانين تحد من ذلك وسياسة المحاسبة في المنشآت الطبية في حال وجود دلائل على الاستخدام غير المبرر لتلك الفحوصات. 

“وعند عمل أي فحص إشعاعي لأي مريض هناك مبدأين لابد من تطبيقهما وتفعيلهما حتى يكون عمل الفحص مبررا ومقبولا” 

اولاً: مبدأ التبرير:  

أي قرار قد يغير حالة التعرض الإشعاعي القائمة (مثلاً، إدخال مصدر إشعاعي جديد أو تقليل التعرض القائم) يجب أن يكون نفعه أكثر من ضرره. وهذا يعني أنه عند إدخال مصدر إشعاعي جديد أو تقليل التعرض القائم أو تقليل خطر التعرض المحتمل، وعليه يتم تحقيق منفعة كافية للفرد أو منفعة عامة من أجل تقليل الضرر الذي يسببها. 

ثانياً: مبدأ تحسين وتقنين الجرعة  الإشعاعية :  

إمكانية تحمل التعرض الإشعاعي، وعدد الأشخاص المعرضين وكمية الجرعة الفردية يجب أن يكونوا عند أدنى حد ممكن مع الأخذ بالاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية. مما يعني أنه يجب على مستوى الوقاية أن يكون الأفضل ضمن الظروف السائدة، وتوسيع هامش المنفعة على الضرر وذلك من أجل تفادي نتائج غير منصفة لأمثلة الإجراءات، ولذلك يجب أن يكون هناك قيود على الجرعات  الإشعاعية ومخاطرها على الجميع. 

ويمكن تلخيص وسائل الحد من الاستخدام المفرط للفحوصات الاشعاعية في الأتي 

أولا: التعليم والتثقيف: ينبغي أن يعمل على تثقيف وتأسيس المجتمع بشكل عام والممارسين الصحيين بشكل خاص على أهمية الحماية من الأشعة ومعرفة خطرها، كما ينبغي أن يكون لدى الممارسين الصحيين التأهيل الكامل وإمكانية الوصول إلى مواد التدريب الحديثة في مجال السلامة والوقاية من الأشعة ولا سيما معرفة المعدات والأجهزة المتوفرة في المنشأة الطبية وطرق استخدامها. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون للمرضى القدرة على الوصول إلى المعلومات التي تسمح لهم مناقشة الطبيب عن مدى الحاجة لإجراء الفحص الإشعاعي وما هي المخاطر المتعلقة بذلك الفحص، وما إذا كان هناك فحص بديل يعطي نفس النتائج أو لا يستخدم الأشعة المؤينة. 

ثانياً: التدريب والاتصال: التدريب رافد أساسي من روافد الحماية من الأشعة حيث يمارس الاخصائي تطبيق وعمل إجراءات الحماية من الأشعة بشكل دوري وصحيح، حيث أن الممارسة الخاطئة قد تكون ذات نتائج عكسية أو تكون محدودة الفعالية. أيضاً إمكانية الاتصال والتواصل بين الممارسين الصحيين في ما بينهم ومع المرضى مما يضمن تقليل الأخطاء وإعادة الفحوص الاشعاعية من دون وجود الحاجة الملحة لذلك ومدى الاستغناء عنها أو استخدام البدائل من الفحوص والتي لا تستخدم الأشعة المؤينة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي أو بالموجات فوق الصوتية. 

ثالثاً: الاستخدام المناسب: يجب أن يلم الممارسون الصحيون بمبدأ التبرير والإقناع بعمل الفحص الإشعاعي وتوافر المبادئ والقوانين المساعدة في تقييم الحاجة لذلك ومناسبة ذلك لحالة المريض واستفادته منها. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي دعم تطبيق وتفعيل استخدام تطبيقات الحاسب الآلي والأرشفة الذكية التي تمنع وتقلل من تكرار الفحوص الإشعاعية وأخطائها.  

رابعاً: سلامة المعدات: عند اجراء الفحص الاشعاعي يجب أن تكون معدات التصوير المستخدمة مشتملة على المعلومات والأدوات التي تمكن الممارسين من تعزيز السلامة من الإشعاع مثل  اللباس الواقي. كما يجب ان تتوفر في أجهزة الأشعة المستخدمة أدوات قياس الجرعة الإشعاعية والقدرة على تنبيه الممارسين في حال الوصول إلى الحد المسموح فيه من التعرض الإشعاعي  وربط ذلك ببرنامج يتاح من خلاله متابعة كافة الأجهزة والعاملين عليها مما يعزز المراقبة الشخصية للممارسين واتخاذ الخطوات اللازمة في حال وجود خلل في الأجهزة أو تعريض المرضى إلى مستوى عال من الإشعاع.    

خامساً: تتبع مقاييس السلامة الإشعاعية: سيؤدي تطوير نظم المعلومات وأدوات التحليل لتتبع مقاييس السلامة الإشعاعية دورا هاما في تعزيز الحماية من الإشعاع وسلامة المرضى. ويمكن استخدام مجموعة من القيم المرجعية (الباراميتر) للأجهزة وقياس جرعة الأشعة خلال الفحص لقياس تراكمات الجرعة الإشعاعية والتي تمكن المنشأة الطبية من تكوين قيم مرجعية لكل الفحوصات ومعرفة الجرعة الشعاعية لكل فحص وجهاز. وبالتالي تحسين ممارسة الأشعة من خلال ضمان الجودة. ويتمثل الهدف الطويل الأجل في الحصول على التحديث الآلي في الوقت الحقيقي لسجلات الجرعات  الإشعاعية لتسهيل المقارنة بين معايير الفحوصات ومؤشرات الجرعة مع مستويات مرجعية ثابتة، مما يتيح الإخطار الفوري والتخفيف من مخاطر سلامة المرضى. كما يمكن تتبع النتائج العكسية والسلبية وتعديل الاتجاهات والسماح بالتصحيح المستقبلي لمشاكل السلامة الإشعاعية المحتملة المتعلقة بالمعدات أو الممارسين. وسيساعد التتبع الآلي لمقاييس السلامة الإشعاعية (مثلا عن طريق المشاركة في سجل للجرعات) على الوفاء بمتطلبات ضمان الجودة وتحسين الجودة من أجل اعتماد المرافق والتعليم المستمر للموظفين، مع ضمان استخدام المشغلين للمعدات على النحو الأمثل لتعزيز سلامة المرضى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى