الصفات القيادية للملك عبدالعزيز مكنته من حمل مسؤولية تأسيس دولة حديثة
توفرت للملك عبدالعزيز الصفات القيادية العظيمة، التي مكنته من حمل مسؤولية تأسيس دولة حديثة كانت المنطقة في أمس الحاجة إليها، فقد عرف عنه تمسكه بالعقيدة ودفاعه عنها وإيمانه الشديد بربه عز وجل، وتطبيق شرع الله في جميع جوانب الحياة، ومن صفاته بره بوالده وأسرته ومحبته للخير والعلم وشجاعته وفروسيته وكرمه العظيم.
والملك عبدالعزيز رجل متعدد المواهب والصفات، حيث استطاع أن يوحد بلداناً وقبائل وشعوبا، وأن ينشر الأمن والاستقرار في منطقة شاسعة، ومن أهم خصاله إيمانه بالله قبل كل شيء ونبل هدفه، الذي اعتمد فيه على الله عز وجل ثم على أبناء شعبه في تحقيقه وقوة شخصيته وموهبته القيادية وحكمته المتميزة، ومن صفاته أيضاً صبره على المكاره وإنسانيته ورحمته بالغير رغم قوته، وعفوه عند المقدرة، وعرف عن الملك عبدالعزيز أنه لم يحقد على أحد حتى تجاه من ناصبه العداء أو أساء إليه، بل تمكن من تحويل خصومه إلى أصدقاء مخلصين وعاملين له.
ويعد استرداد الرياض من أعظم الأحداث التاريخية، التي ظهرت فيها علامات قوة الشخصية وحسن القيادة لدى الملك عبدالعزيز والخبرة التي اكتسبها بنفسه، فواصل كفاحه مدة تزيد على ثلاثين عاماً من أجل توحيد البلاد.
مرسوم ملكي
في السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم (المملكة العربية السعودية) اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
وتوج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز العظيمة الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتم تحديد يوم الأول من الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر ليصبح اليوم الوطني للمملكة، وبهذا الإعلان تم تأسيس المملكة العربية السعودية التي أصبحت دولة العظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
التأسيس والبناء
بدأت مراحل التأسيس والبناء في عهد الملك عبدالعزيز منذ دخوله الرياض عام 1319هـ (1902م) حيث تركزت على الجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أسس الملك عبدالعزيز العديد من المؤسسات الإدارية منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى وإدارة المقاطعات، ورئاسة القضاء والمحاكم الشرعية ووزارة الخارجية ووزارة المالية، ووزارة الدفاع ووزارة المواصلات ووزارة الصحة ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وغيرها من الوزارات والإدارات المتعددة. كما شملت عناية الملك عبدالعزيز في مجال التنظيم تطوير الخدمات المقدمة للحجاج حيث أمر بتوسعة الحرمين الشريفين، وتأسيس المديرية العامة للحج وإنشاء المحاجر الصحية والطرق ووسائل المواصلات المتعددة وفي آخر حياته أنشأ الملك عبدالعزيز مجلس الوزراء ليكون خاتمة إنجازاته الإدارية والتنظيمية.
التنمية الإقتصادية
ومن الناحية الاقتصادية، فقد شهدت المملكة العربية السعودية ظهور النفط وتطور صناعته، واستخراج المعادن، وازدياد حركة التجارة والعلاقات التجارية الدولية، ولقد استفاد الملك عبدالعزيز من وسائل التقدم والتطور التي ظهرت في الدول الغربية، وقام بجلبها إلى المملكة وتوظيفها في خدمة التطور الحضاري الذي أرسى قواعده بفضل سياسته الحكيمة المبنية على الأخذ بأسباب الحضارة والتقدم ضمن معايير المبادئ الإسلامية والتقاليد الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة السعودية. ونتج عن سياسة الملك عبدالعزيز هذه تطور الدولة السعودية في شتى ميادين الحياة مع الاحتفاظ بمبادئها وأسسها الدينية والاجتماعية محققاً بذلك أعظم معادلة متوازنة بين الأصالة والمعاصرة.
إرساء الأمن
ويعد إرساء الأمن في المملكة العربية السعودية من أهم الإنجازات التي تحققت في عهد الملك عبدالعزيز، حيث أصبحت الطرق والمدن والقرى والهجر تعيش في أمن دائم، كما أسس الملك عبدالعزيز الأنظمة اللازمة والمؤسسات الأمنية وعلى رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية، وردع جميع المحاولات التي تمس استقرار الناس وممتلكاتهم.
مكانة دولية
أصبحت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز ذات مكانة دولية خاصة، حيث انضمت إلى العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، نتيجة لموقعها العظيم ورسوخها، بل كانت من أوائل الدول التي قامت بتوقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة عام 1364هـ (1945م)، وأسهمت في تأسيس العديد من المنظمات الدولية التي تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار والعدل الدولي مثل جامعة الدول العربية في عام 1364هـ (1945م).
سياسة خارجية
وكان للملك عبدالعزيز إسهاماته الأخرى في تدعيم مكانة الدولة السعودية على الساحة الدولية السياسية والاقتصادية، رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالمنطقة في تلك الفترة، خاصة سيطرة عدد من الدول العظمى على الكثير من المناطق في العالم العربي، فقد كانت بريطانيا والدولة العثمانية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تتنافس بشدة على حماية مصالحها ومناطق نفوذها التي كانت تحيط بالملك عبدالعزيز.
كما شكل التنافس المحلي الشديد تحدياً آخر للدولة السعودية الحديثة، فرغم هذه الظروف تمكن الملك عبدالعزيز من انتهاج سياسة خارجية واضحة اعتمدت على مبادئ عظيمة تتصل بأهداف الدولة السعودية ومنهجها القائم على تأسيس دولة قوية تساند الدعوة وتستند إليها، ولا تفرط في حقوقها أو منطلقاتها، وتحقق مصالح الدولة السعودية والدول العربية والإسلامية والمطلع على مواقف الملك عبدالعزيز وسياسته الخارجية يجد أن قضايا العرب والمسلمين استحوذت على حيز كبير من اهتمامه، وأخذت الأولوية على احتياجاته الداخلية ومصالح دولته.
ويعكس هذا موقف الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده تجاه القضية الفلسطينية، التي كانت ولا تزال تشكل محوراً أساسياً ومهماً في السياسة الخارجية السعودية، كما يعد دعم الملك عبدالعزيز لتأسيس جامعة الدول العربية وتأييده لاستقلال العديد من الدولة العربية والإسلامية، شاهداً على أن هذه السياسة تعد من الثوابت السعودية إلى اليوم.