تعليم

جامعة جورجيا ستات والبيانات الكبرى

بقلم “هولي اليز”
صحيفة ” تايمز هاير اديوكاشن”

تستطيع جامعة جورجيا أن تحقق الهدف الذي بموجبه تستطيع أن تغير وجه  العالم إذا ما نجحت في فعل ذلك الشيء الكبير؛ لربما وصفته بالشيء  الجريء أو المجنون أو حتى المتغطرس، ولكني سأفعله.
هكذا بدأ مدير جامعة “جورجيا ستات” “مارك بيكر” حديثه بعيد أن تولى منصبه عام 2009 متخذاً قرارا بإعادة ترتيب أولويات الأهداف في بيان رسالة الجامعة حيال معدلات التخرج وبقاء الطلاب في الجامعة.
آنذاك لم يكن يدري ما هو السبيل لتحقيق هدفه: أن تضحى الجامعة نموذجا يحتذى به في تعليم طلاب الجامعات من كل الخلفيات ليتمكنوا من تحقيق النجاح الأكاديمي والمهني بمعدلات عالية. وللأسف مرت ثلاث سنوات عجاف لم تزدد فيها معدلات تخرج الطلاب من السود وأصحاب الأصول الإسبانية والمداخيل المنخفض وطلاب الجيل الأول ممن لم يدرس آباؤهم ولم يعيشوا في الولايات المتحدة، فظلت بنفس الوتيرة، ولم تفلح آنذاك أن تكون الأولى بين الجامعات الأميركية.
بيد أنه أفلح في تحقيق ذلك الحلم لاحقاً عندما استخدم تحليل البيانات أو البيانات الكبرى، كما يحلو للبعض تسميتها؛ حيث قام بجمعها وتحليلها في مجموعات بياناتية لكشف النماذج والاتجاهات، وهذا العرف في الجامعات متبع ويستخدم لدعم الطلاب وإدارة الموظفين وإصدار قوانين إدارية ذات صبغة إستراتيجية.
 وتعاني الجامعات الأميركية بشكل عام من مشكلة بقاء الطلاب في الجامعة، حيث لا يتخرج واحد من كل ثلاثة ضمن البرامج الدراسية ذات الأربع سنوات، ناهيك عن التكاليف الضخمة التي يتكبدها الطالب والاستعداد المتدني المستوى، وهذان هما أكبر مشكلة تواجه الجامعات، وذلك حسب إحصائيات المركز الوطني الأميركي لإحصائيات التعليم (NCES).
وإذا خرجنا إلى دائرة السود وطلاب الجيل الأول وأصحاب المداخيل المنخفضة فإن الإحصائيات تكون أسوأ؛ حيث يتخرج أربع من كل 10 في ست سنوات، بينما يكون الحال أفضل في البيئات الأخرى التي تضم الأثرياء والبيض. إلا أن جامعة “جورجيا ستات” لم تنجح لأن أكثر من نصف طلابها يأتون من أصول من ذوي المداخيل المنخفضة.
ومن ثم؛ قررت جامعة “جورجيا ستات” تحري الأمر فعملت بالتحقيق في الأسباب المؤدية لذلك، وترأس التحقيق نائب مدير الجامعة “ثيموني رنيك” والذي وجد أن الكثير من الطلاب  يجمعون النقاط (credit) إلا أنهم لا يقتربون من التخرج، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الطلاب يختارون تخصصا خاطئاَ او يأخذون دروسا متقدمةً مما يجعل وقتهم يضيع سدىً وتضيع أموالهم في أخذ مزيد من الدروس أو إعادة ما أخذوه من دروس فشلوا في استيعابها أول مرة. ويرجع السبب في نظر فريق البحث إلى عدم وجود النصيحة  السديدة. ومن ثم لجأنا إلى “البيانات الكبرى ووجود فِرق استشارية طلابية في طول وعرض الجامعة، على حد قول “بيكر”.
تواكب هذا القرار مع وصول تقنيات حديثة في مجال تحليل البيانات في مجال التعليم. ففي 2011 أضحت جامعة “جورجيا ستات” أول جامعة في جلب برمجيات شركة “إديوكاشن أدفيزوري بورد” (مجلس استشاري التعليم)، وهو برنامج إلكتروني تمتلكه شركة تقوم ببناء نظام تتبع آلاف القرارات التي يتخذها الطلاب كل يوم ويتوقع القرار الراجح للوصول للنجاح الأكاديمي.
وقامت الشركة باستخدام بيانات عشر سنوات خاصة بكل طالب وخريج ومنهج في الجامعة من أجل تطوير نموذج ومعايرته، والذي رأى النور بالفعل في أغسطس 2012، وطيلة هذه الفترة كان البرنامج يتفحص أكثر من 800 متغير مرتبط بـ30 ألف طالب لينبه من يتجه للوقوع في متاعب دراسية حسب ما يرى النموذج.
وتشمل البيانات المناهج التي سجل الطلاب فيها مع سجل الحضور والانصراف وبيان الدرجات، ولكن لا يوضع كل متغير في حسبان البرنامج، فمثلا إذا ما حصل الطالب على درجة (B-) في الرياضيات الأولية وتخصصه لغة إنجليزية لن يكون هنالك أية مشكلة بيد أنها علامة إذا ما كان الطالب يرغب في التخصص في الكيمياء، ففي هذا الحالة سيتدخل النظام ويرسل رسالة إلكترونية آلية للطالب والاستشاري يطلب منهما الاجتماع لمناقشة الأمر. وفي عامه الأول حدد النظام أكثر من 50 ألف اجتماع مشابه.
وكانت النتائج يانعة على الفور؛ حيث صرح “بيكر” “شاهدنا انخفاضاً في أعداد الطلاب الذين تركوا الجامعة وتحسنت معدلات التخرج خلال العام التالي. وتخرج الطلاب في غضون فصل دراسي أقل في عام 2012، موفرة على الطالب الذين تخرجوا في عام 2016 ما يعادل 15 مليون دولار أميركي من رسوم الدراسة، بالرغم من أن بقاء 1% من الطلاب في الجامعة يدر لها دخلا بقيمة 30 مليونا في صورة استثمارات للجامعة”.
وأكد “بيكر” أن لا شيء في الكون يسير دون تحليل بياناته؛ فجمال البيانات يسمح للجامعة بتشخيص خبرات التعليم لعدد عشرات الآلاف من الطلاب مرة واحدةً بطريقة مميكنة. فنظامنا التعليم الآن يفعل ما يفعله الأساتذة في كلية صغيرة جداً؛ فهو يراقب الطلاب بشكل مستمر. فعندما يرون شيئاً ما يحدث يقوم الأساتذة بالتدخل فكذلك النظام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى