تغطيات

خلال افتتاح مؤتمر «الصحوة: المفهوم والإشكالات».. أمير القصيم: أدعو المفكرين المسلمين إلى تبيان وسطية الإسلام واعتدال منهجه

أكد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم، أن أعظم حدث تاريخي خلال القرن الرابع عشر من الهجرة هو قيام المملكة العربية السعودية، تلك الدولة التي قامت على كتاب الله وسنة نبيه، مشيرا إلى أن هذا الأمر لم يكن بالأمر الهين في محيط كان أبعد ما يكون عن شريعة الله، ولكن توفيق الله للمليك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، جعل من هذا الأمر ميسراً بأمر الله تعالى، فعمد – رحمه الله – على جمع الناس وتوحيد القلوب المشتتة والمتفرقة.  جاء ذلك في كلمة سموه خلال افتتاحه لفعاليات مؤتمر “الصحوة .. دراسات في المفهوم والإشكالات” الذي نظمته جامعة القصيم ممثلة بوحدة التوعية الفكرية يوم الثلاثاء 24 من رجب 1439هـ، لمدة يومين بمشاركة نخبة من المختصين في المجالات الشرعية، وفيها أوضح سموه أن هذه الدولة المباركة هي دولة دعوة إلى الله، قامت وستبقى بإذن الله بلاد دعوة إسلامية، إذ إنها تخصص الميزانيات العظيمة للدعوة الإسلامية وتبيان الحق، مؤكدا أن شعبها الكريم ولد على الفطرة النقية والوسطية.

وقال: ” يجب أن نتوقف لمراجعة منعطف مهم في هذه العجالة وهي أن نؤكد على ألا تستغل رسالة هذه الدولة ومنهجها وهي الدعوة إلى الله، من البعض إلى أهداف وأطماع أخرى تحيد بالهدف الأساسي والرباني من الدعوة إلى الله، إلى مسميات حزبية وجماعات لا تؤدي إلى خير الأمة وتوجهاتها الواضحة”.

وأضاف سموه: “إن الجميع يفرح ويشجع من يحتسب بالدعوة إلى الله ويتمنى للناس الهداية والاستقامة والعودة إلى الله، ولكن حري بنا الصدق بالنية، وسلامة المعتقد بالدعوة الربانية على منهج السلف الصالح وسماحة الإسلام ووسطيته، كما أن لكل مرحلة ظروفها وأولوياتها، ومن وجهة نظر شخصية فإنني أرى أننا كمسلمين أمام تحديات عظيمة تستلزم منا صحوة مضادة لمن شوهوا سمعة الإسلام بالتطرف والقتل، والدمار، وهم مع الأسف من أبناء المسلمين المغرر بهم.  ودعا سموه خلال كلمته أمام المؤتمر جميع المفكرين المسلمين إلى تبيان وسطية الإسلام واعتدال منهجه، بدون إفراط في الانحلال أو الانفتاح غير المنضبط وفق تعاليم ديننا الحنيف أو تفريط بالتشدد والغلو، مشيرًا إلى أن بلاد الحرمين مرجع يأتي إليها الحاج والمعتمر من  أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، بأمن وأمان وراحة بال، ومع ذلك تحكم الشريعة الإسلامية السمحة، التي تكفل للجميع حقوقهم، وتعاقب المخل دون تمييز لجنس أو لون، مؤكدا أن هذا هو سر قوتها ومناعتها ونحن بإذن الله في مسيرتنا متمسكين بشريعتنا السمحة، كما يؤكد على ذلك دائماً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين. وشدد سموه على أهمية دور الجامعات ومحوريته في المسائل الفكرية، كونها تعتبر حاضنة مهمة ومؤثرة، حيث يتواجد فيها العلماء والأساتذة والمفكرون، والطلاب والطالبات الذين هم أرض خصبة للعلم، ونعول الكثير على أهمية دور جامعات المملكة، مشيرًا إلى أن جامعة القصيم تأتي في المقدمة بالعمل على رصد الأفكار وتحريرها من خلال الخطط العلمية والعملية وتحرير شباب الأمة من كل فكر منحرف، مجددًا الدعوة لإنزال نتائج وتوصيات هذا المؤتمر إلى الميدان والعمل على ذلك بالجد والاجتهاد خدمةً للدين والوطن، مقدماً الشكر لمعالي مدير الجامعة وجميع العاملين والمشاركين في هذا المؤتمر.

الداود: بلادنا لاتعرف الشعارات الكاذبة ولا تحسن التلون والتآمر كما يفعل غيرها

من جهته قال معالي مدير جامعة القصيم الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن حمد الداود المشرف العام على المؤتمر: “إننا في مرحلة مهمة وحاسمة من التاريخ والمراجعة التي تمر به بلادنا سواء على المستوى الاقتصادي أو الفكري، لذا يأتي هذا المؤتمر العلمي المهم ليحاول أن يرسم لنا خارطة الوعي الصحيح ونبذ الممارسات السيئة، وذلك عبر دعوة نخبة من العلماء والباحثين من أبناء مملكتنا الغالية، حيث سيتم من خلال محاوره مناقشة هذا المفهوم وتحرير هذا المصطلح الملتبس.  وأكد “الداود” أن الصحوة هي من أبرز المصطلحات التي تم تداولها قديماً وحديثاً في مجتمعنا، وتم من خلالها  تمرير الكثير من الدلالات السلبية، إما في توظيف التدين نحو التطرف، أو نقد الممارسات الشرعية الصحيحة للتدين بوصفها مظهراً من مظاهر الصحوة، ولهذا كانت الحاجة ملحة إلى تناول هذا المصطلح عبر هؤلاء النخبة، والتعامل معه بطريقة علمية صحيحة، مضيفًا أننا اليوم وفي ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – أحوج ما نكون إلى التصحيح والمراجعة، وألا نستنكف من الاعتراف بوجود الخطأ والتقصير، وأن نبذل قصارى جهدنا في حماية شريعتنا السمحة من تيارات الغلو والتشدد التي تستغل العاطفة الدينية لدى بعض شبابنا بتحويلهم إلى خناجر مسمومة تطعنُ في خاصرة وطننا الغالي.

وأضاف “الداود” أن ثوابت الشريعة في هذه البلاد – بحمد الله – راسخة شامخة، فدولتنا هي دولة الإسلام وهي حصن التوحيد وموئل الرسالة، وهي مهوى أفئدة المسلمين، فبلادنا لا تعرف الشعارات الكاذبة ولا تحسن التلون والتآمر كما يفعله غيرها، وأما قادتها فهم بحبل الله مستمسكون، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرون، ولا يستطيع أحدٌ أن يزايد على حرصهم على شعائر الإسلام ورعايتهم لها.  كما أهاب “الداود” بالباحثين والمفكرين إلى أهمية أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه العلمية التي أقيم من أجلها، وأن يكون علامة فارقة في العلم والتأصيل، ولن يكون ذلك إلا حينما يراعى في هذا التناول “المنهج العلمي الصحيح الذي يعتمد في المقام الأول على نصوص الوحيين من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ثم على الهوية الوطنية لهذه البلاد المباركة والولاء الصادق لقيادتها الرشيدة.”

وقدم “الداود” الشكر والتقدير لسمو أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز على رعاية وافتتاح هذا المؤتمر، ولجميع المشاركين والحضور، كما قدم الشكر للجان التنظيمية والعلمية ووحدة التوعية الفكرية، وجميع إدارات ووحدات الجامعة التي ساهمت في الإعداد والتنظيم.

الجلسة الرئيسية

السديري: لا يستطيع أحد أن يزايد على دور المملكة في حمل رسالة الإسلام والدعوة إليه

الضحيان: الصحوة حولت نفسها من ظاهرة فكرية اجتماعية إلى أمر ديني غير قابل للنقد

جامعة القصيم تناقش ظاهرة الصحوة كظاهرة اجتماعية ومدى تأثيرها في وعي المجتمع

أوضح معالي الأستاذ الدكتور توفيق السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية أن مناقشة موضوع الصحوة في هذا الوقت يجب ألا يُفهم أنه في مواجهة مع الدين أو التدين، فالمملكة العربية السعودية لا يمكن لأحد أن يزايد عليها في حملِ رسالة الإسلام والدعوة إليه، وكذلك في نشر العلم الشرعي ونشر الخير والرحمة للعالمين، فهذا أمر لا يمكن لأحد أن يزايد على المملكة فيه، مؤكدا أن جامعة القصيم قد كسبت الريادة والسبق في طرح موضوع “الصحوة” للنقاش العام في مؤتمر علمي، نظراً لما يتعلق بهذا المصطلح – الذي يعتبر موضوع الساعة – وما يرتبط به من إشكالات في المفهوم وإشكالات في السلوك الحركي والسلوك الدعوي الذي مرت به المنطقة كلها وليست المملكة العربية السعودية وحدها. قدم ” السديري” ورقة علمية بعنوان “تشخيص الصحوة”، خلال مشاركته في الجلسة الرئيسية لمؤتمر الصحوة التي  حملت عنوان “الصحوة التاريخ والخطاب” وأدارها وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي الأستاذ الدكتور أحمد التركي.

وأكد “السديري” في الدراسة على أن هذه البلاد تعيش في صحوة منذ أن أسسها الملك عبدالعزيز ــ رحمه الله – لكن جاءها مفهوم ملتبس وهو مفهوم الصحوة الحركية، حينما دخلت التنظيمات الحركية المنتسبة للإسلام إلى المملكة  كغيرها من البلاد العربية والإسلامية فبدأ انتشار هذا المفهوم وهذا المصطلح الذي مع الأسف رُبط ربطاً خاطئاً بالدين، مشيرًا إلى ما كتبه عن الصحوة وعن تشخيصها، حيث ذكر الأسس والمنطلقات الفكرية للصحوة الحركية وأعطى لمحة عن الحراك الفكري العربي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي حينما أصبح الإسلام لدى عامة المسلمين مجرد تراث وعادات وتقاليد.

وأشار “السديري” إلى الصراع الفكري الذي نشأ في العالم العربي في تلك المرحلة وتمثل في ثلاث توجهات كبرى هي: التوجه الليبرالي والتوجه القومي وكانوا معادين للغرب ويميلون إلى المعسكر الاشتراكي والايدلوجية الشرقية الاشتراكية، بالإضافة إلى التوجه الثالث وهم الشيوعيون الخلص ولم يكن لهم ذلك القبول الكبير في العالم العربي والإسلامي، وفي تلك المرحلة انبثقت فكرة الجامعة الإسلامية كفكرة سياسية وليست فكرة دينية، ولم تتحول هذه الفكرة من النظرية إلى التطبيق في العالم العربي إلا عندما أسس حسن البنا عام 1928م.

وتناول “السديري” في ورقته البحثية أمرين رئيسين: الأول هو المنطلق الفكري لما يمكن أن يسمى بالصحوة الحركية وهو التفسير النفعي أو المصلحي أو السياسي للإسلام وحدد معنى ونشأة هذا التفسير وما يتعلق به، أما القسم الثاني فهو عن جماعات التفسير السياسي للإسلام في المملكة العربية السعودية التي تمثل عصب الصحوة والصحوة الحركية وتكوين هذه الجماعات ونشأتها، ويقصد بتفسير الإسلام تفسير الدين أو المفهوم الكلي للوحى وللرسالة والنبوة والشريعة والعبادة واليوم الآخر، ليس المقصود تفسير آية أو جملة آيات أو شرح حديث أو بيان حكم معين إنما المقصود معرفة العلل والحكم والمقاصد والغايات للدين كله أو لباب من أبوابه أو حكم من أحكامه بأدلة من الكتاب والسنة.

ويرى “السديري” أن من أهم وأخطر أنواع التفسير النفعي المصلحي للدين التي سادت مع الأسف خلال المئة سنة الماضية هي التفسير السياسي للإسلام، هذا التفسير كان له آثاره التي رسمت توجه كثير من المسلمين في العصر الحديث، وبنيت على هذا التفسير نظريات وآراء واجتهادات وأريقت بسببه دماء معصومة وقامت من أجله حروب وثورات، مبينًا أن هذه الدولة فتية نشأت على الإسلام عقيدة وشريعة وحكما وتحاكما ودعوة وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر فلم يكن هناك مجال لنشأة هذه الجماعات فيها، إنما حاولت هذه الجماعات الدخول للمملكة من خلال موسم الحج ومن خلال الاحتكاك ببعض رجالات المملكة فبدأ حسن البنا بإرسال رسائله بالتواصل مع بعض الأعيان في المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة، وهنا كانت البداية الأولى والانطلاقة لدخول هذه التيارات وهذه الحركات إلى المملكة العربية السعودية.

وتسرد الورقة البحثية التطورات التي شهدها العالم الإسلامي في تلك الفترة حيث كان هناك تيارات نشطة غير التيارات الإسلامية، بدأت تتكون هذه التيارات ذكر تاريخها وبدايتها ومتى بدأت وبعض رموزها، بعد حرب 1967 وهو ما يسمى بعام النكسة حيث كان الانكسار للمد اليساري والقومي والعروبي بشكل عام، وبدأت الحركات الإسلامية في العالم كله،  بالظهور وبدأت تنشط في المملكة العربية السعودية حيث تكّون لجماعات الإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية عدد من التنظيمات، كل تنظيم له قيادته، منها في الرياض تنظيمات تشمل الرياض وما حولها، وتنظيم في الحجاز، وتنظيم في المنطقة الشرقية وغيرها من التنظيمات.، وبدأت تنشط هذه الجماعات إضافة إلى جماعات أخرى وإن كانت لا تهتم بالسياسة لكن لها خطورتها تكمن في أنها أصبحت محضن للجماعات الأخرى حيث تهيئ الشباب لهم ثم ينتقلون إلى الجماعات الأخرى ومن أخطرها تنظيمي القاعدة وداعش.

ناقشت الجلسة الرئيسية أيضا ورقة علمية للدكتور سليمان الضحيان أستاذ النحو والصرف بجامعة القصيم حملت عنوان “الخطاب الصحوي في السعودية وإشكالية الحركة”، أكد فيها على أن الصحوة حولت نفسها من ظاهرة فكرية اجتماعية قابلة للنقد مثلها مثل كل الظواهر الفكرية والاجتماعية التي مرَّ بها المجتمع إلى أمر ديني غير قابل للنقد، وصنفت المثقفين والدعاة دينيًّا حسب موقفهم من (الصحوة)، وفسرت كل عمل فكري نقدي يوجه للصحوة على أنه مؤامرة على التدين والدعاة وطلبة العلم، ولعل الموقف من مؤتمرنا هذا مثال على ذلك، حيث قامت حملة كبيرة للتشكيك فيه وفي القائمين عليه لا لشيء إلا لعزمه على تناول ظاهرة (الصحوة) بالدراسة”. 

وتناولت ورقة “الضحيان” البحثية الصحوة كظاهرة اجتماعية فكرية كبرى أحدثت تأثيرا عميقا في وعي المجتمع، لأنها تمتد إلى نصف قرن، ومعنى هذا أنها شكَّلت وعي كثير من الأجيال السعودية ممن تتراوح أعمارهم اليوم بين العشرين  والثلاثين، كما أنها تغلغلت في كثير من مظاهر النشاط في المجتمع كالتعليم، والفكر والثقافة، والدعوة الدينية، والخطاب الديني، والعادات والتقاليد، وأحدثت تأثيرًا عميقًا في وعي الأفراد تجاه الأفكار والوقائع والأشخاص على امتداد سنوات طويلة، وهذا ما أدَّى إلى إنتاج عقل جمْعِيٍّ لمجتمعنا السعودي اصطبغ بفكر الصحوة الديني بكل ما في هذا الفكر من إيجابيات  وسلبيات.

وأكد “الضحيان” على أن واقع الخطاب الصحوي في أصل نشأته في مجتمعنا كان صدى للخطاب الحركي للحركات الإسلامية في مصر والشام خاصة، وذلك لغياب الكتابات الإسلامية الحديثة في مجتمعنا آنذاك، فأصبح إنتاج الحركيين الإسلاميين المصريين والشاميين الفكري في كتبهم وخطبهم المسجلة ومجلاتهم هي المرجعية التي استقى منها دعاة الصحوة آنذاك تنظيراتهم ونظرتهم للواقع المحلي، مع الاختلاف الجذري بين واقعنا وواقع المجتمعين، كما أشار إلى الموقف الملتبس من الخطاب الحركي الصحوي من حركات العنف والتطرف، فقلما أصدر بيانات في شجب واستنكار جرائم العنف والإرهاب، وإذا أصدر مثل تلك البيانات يلحقها بالحديث عن الأسباب الدافعة لمثل تلك الجرائم، وهو ما يفسَّر لدى خصوم التيار الحركي على أنه تبرير لتلك الجرائم.

وتتمثل الإشكالية الثانية في أن الخطاب الصحوي بدلا من أن يكون خطابا دينيًّا ينشد الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بالدعوة إلى التمسك بالدين، وتغليب حسن الظن بكل أطياف المجتمع، والحرص على نشر قيم الرحمة والعطف، وتفهم المخالف، وطلب التيسير على الناس في القضايا الدينية كأي خطاب ديني يتخذ الدعوة إلى الدين وظيفة له، بدل ذلك كله انزلق إلى تبني  (الرؤية الحركية) التي في أساسها ومرجعيتها في الشام ومصر بُنِيَت على أساس حزبي مغلق على أناس معينين. 

وبما أنه لا يوجد حزب معلن يجمع المنتمين إلى الصحوة في المجتمع السعودي، أصبحت الرؤية الحركية هي الجامعة، وهي رؤية تقوم على الاعتقاد بوجود فئة تعبر عن الفهم الحقيقي للدين مع الفهم الحقيقي للواقع، وهذه الرؤية الحركية أصبحت هي عماد بنية الخطاب الصحوي، وقد أنتجت هذه الرؤية الحركية ظواهر إشكالية، وتعدد الورقة العلمية هذه الظواهر التي تأتي في مقدمتها ظاهرة “إسلام الحزب” أو التحزب الذي يتسم بتشدد الخطاب الصحوي في أطروحاته الفكرية والفقهية، هو خطاب مغلق أُنتج لمجتمع معيَّن، ولم يُنْتَجْ لعامة الناس على اختلاف عاداتهم وتقاليدهم، وتياراتهم الفكرية، وهذا ما يحتم عليه الانفتاح وتقبل الاختلاف؛ ليناسب التنوع الموجود في المجتمع.

وتأتي بعد ذلك ظاهرة الاستعلاء وعقلية التوجس التي نتجت عن الضخ الهائل في أدبيات الصحوة بتفردِهَا بالفهم الصحيح للدين، مما أنتج عقلية استعلائية تعتقد أنها متميزة متفردة تمتلك الحقيقة الدينية المطلقة، وكل من خالفها في حكم ديني فهو على خطأ وضلال يجب الإنكار عليه، وتحول الخطاب الصحوي  في جزء منه من خطاب ديني المفترض به الحرص على جمع الكلمة ونشر حسن التعامل مع المخالف  إلى خطاب حزبي له أنصاره وخصومه، وأصبح من مهمة الأنصار السعي لفوز حزبهم في أي منازلة فكرية بغض النظر عن أدبيات الحوار وفقه الخلاف، فالهدف في المنازلة الفوز بغض النظر عن الوسيلة والأسلوب.

وآخر هذه الظواهر هي ظاهرة حراسة الصحوة، حيث أصبح من مهمات الخطاب الصحوي حراسة هذا الحزب (الصحوة)، وتمجيد رموز الصحوة، ورفض أي نقد يوجه لهم، وتحويل بعض الأحكام الفقهية والرؤى الدينية التي تعارف عليها الخطاب الفقهي المحلي وورثتها عنه الصحوة  إلى ما يشبه الثوابت الدينية التي لا يجوز الإفتاء بخلافها.

الجلسة الأولى

“منع السؤال” جعل شبابانا ينحرفون يمين ويسار 

 الاخوان المسلمون إذا غلبوا اظهروا حقيقتهم وإذا غٌلِبْوا أظهروا خلاف حقيقتهم

الفريح: فكرة المؤتمر تعزز مبدأ السؤال من قبل الشباب

أوضح الدكتور صالح بن عبد الله الفريح أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية في جامعة أم القرى في الجلسة الأولى التي ناقشت  محور” الصحوة: المفهوم والدلالة” بأن فكرة المؤتمر تعزز مبدأ السؤال ولم يجعل الشباب ينحرفون يمينا ويسارا إلا منعهم من  السؤال وأصبحوا يتلقون ما يأتيهم من الأقوال وكأنه وحي من السماء،

مؤكداً اننا نحتاج أن نرتبط بالقرآن والسنة في التقنية والمناهج الدراسية  كي تزيل الشوائب ومن خلال قيام الأقسام الفكرية ووحدات  التوعية الفكرية لأهميتها  في حماية الشباب والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم، وضرورة المراجعة للأفكار وتصحيح المسار للفكر الحاضر، ومن يتحدث عنها كعادة وليس كفكر وحسب ما كان الأباء الأولين وليس الحق وكما جاء القرآن به من حق، وهذه الأفكار تحتاج إلى وعي وغرس روح الثقة والدين والولاء والوطن دون الوصاية. من جانبها قالت الدكتورة بركة الطلحي مديرة إدارة المكتبة النسائية في المسجد النبوي الى أن العالم عاش بأسره خلال القرن الماضي دعوات تحث الناس على لزوم الدين باسم الصحوة الإسلامية وهذا “المصطلح” لم يعرفه المسلمون في عهدهم مما جعل البعض يفسره حسب فهمه وقد اكتوت الدول الإسلامية  بناره مما جعل غالبيتهم يتسألون من أين أتت هذه الصحوة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

 وأكدت ” الطلحي” ان ما يفعله الاخوان المسلمون في العصور إذا غلبوا اظهروا حقيقتهم وإذا غُلِبْوا أظهروا  خلاف ما كانوا عليه وحقيقتهم ضاعت بين مطنب في المدح وفاحش بالذنب ومن أعمالهم المريبة التي تخدم فكرهم المنحرف انشاء جمعية ماسونية كما جاء في كتاب صحوة الرجل المريض، وأضافت أن تنظيم الاخوان المسلمين وتنظيم الخميني وجهان لعملة واحدة، هدفهما واحد وهو التوسع حتى يحكموا البلاد بأكملها، وأن الاخوان المسلمين لم يكتفوا بخديعة أهل السنة والجماعة بإظهار العداء للشيعة واخفاء المودة لهم لم يكتفوا بذلك حتى تأمروا على الأمة.

الأستاذ الدكتور غازي بن غزاي المطيري أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بالجامعة الإسلامية  أكد  في ورقته العلمية التي جاءت بعنوان “إشكالات حول الصحوة في البعد والمفهوم” “أن التصدي للقضايا الهامة ودراستها بحيادية وموضوعية، مدعاة لتجاوز الأخطاء وعدم تكرارها واستشراف لمستقبلٍ أفضل، يوظف تجربة الماضي وممارسات الواقع، في الخلوص إلى نظريات منهجية قابلة للتنفيذ، وتُعد الصحوة الإسلامية التي هيمنت على الساحة الإسلامية في أوائل التسعينات الهجرية، والتي نعيش حقبة ما بعدها، مما يلزم دراستها، وإذ نشكر جامعة القصيم العريقة في مبادرتها  بالدعوة إلى عقد  هذا المؤتمر العلمي. 

وقال ” المطيري” أن مصطلح الصحوة يشوبه الغموض وليس هنالك شيء واضح وقيد لهذا الموضوع ويمكن أن نسميها “باليقضة” أو الوعي وعند الأصوليين ومعنى الصحوة يعني الوقوض من الغفوة، والأمة الإسلامية على مر التاريخ حية ويقضة وما يهمنا هو دراسة هذه المرحلة التاريخية لتساعد بلادنا المستهدف في ثروته وشبابه واقتصاده ودينه ويجب أن نتفق على أهمية حمايته، وأهمها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي جدد الدعوة على المنهج الصحيح والتي نشرت السنة والتوحيد والخير والبركة في جميع أنحاء المملكة.

وشارك الدكتور محمد إبراهيم السعيدي، بورقة بحثية بعنوان “الصحوة بين الانحراف عنها والانحراف بها”، تناول فيه مفهوم الصحوة قديما وحديثا، حيث أوضح أن مرحلة التأسيس للمملكة العربية السعودية وما بعدها كانت زمنا للصحوة الدينية،، لكن المصطلح الحالي للصحوة يقتصر على فترة ما بعد تسعينات القرن الهجري الماضي، مبينًا أن هذه الحقبة جاءت بعد أن أصبحت المملكة إحدى أقوى دول العالم في التأثير الفكري ليس في عالمها العربي وحسب بل في العالم الإسلامي كله.

الجلسة الثانية

نشأة الصحوة والامتدادات الحركية لها

دراسة في الجذور وإشكاليات التاسيس

استطاع الإخوان المسلمون تجاوز التباين الواضح بين منهجية التدين السعودي، ومنهجية التنظيم، بالعمل على خيار تلاقي الفكرتين في منطقة مشتركة لضمان النجاح، فعملت القيادات الإخوانية الوافدة على إرساء وتمهيد اتساق وتوازي الفكرتين بما يخدم الأغراض التنظيمية للجماعة، وهذا ما مكن حركية الإخوان وبرامجهم، من جذب أفراد المجتمع السعودي.

أشار الدكتور خالد بن سليمان العضاض في ورقته البحثية التي تم قدمها في الجلسة الثانية من مؤتمر الصحوة بجامعة القصيم تحت عنوان “الصحوة.. النشأة والتطور والامتداد”، إلى أن المملكة سمحت للتنظيم بالعمل المريح والمرن داخل المملكة، دون صفة رسمية معلنة، أو من خلال مكاتب رسمية في السعودية، على الرغم من أن السلطات السعودية كانت تصر على التعامل مع قادة التنظيم بصفتهم التنظيمية وليس الفردية كما تشير بعض الدراسات، وكان التنظيم يعمل تحت رقابة الاستخبارات السعودية والأجهزة الأمنية الأخرى، ومن هنا انصب العمل الإسلامي لهذه الجيوب الإخوانية التي انتشرت في أنحاء المملكة، خصوصًا في البدايات على الجانب الفكري، والذي استطاعوا بثه ضمن أسس البنية التعليمية والإدارية في البلد الناشئ، بشكل طور الفكر الديني السعودي، ونقله إلى بعد حركي لم يكن معهوداً من قبل.

كما أوضحت الدراسة أن المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في مكة المكرمة عام 1962م، والذي أُعلن من خلاله إنشاء رابطة العالم الإسلامي، قد مهد الطريق أمام الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي للبروز والظهور عقب فترة التشكل والتكون، في ظل حماية سياسية غير مباشرة، وذلك بعد دعوة المؤتمر لفكرة التضامن الإسلامي، والأمة الإسلامية الواحدة، والتي تمكنت من الانطلاق السريع في أجواء رحبة وفسيحة بعد عام 1967م، أو ما يعرف بعام النكسة، والذي نتج عنه سقوط ذريع للنظرية القومية والثورية، والنظرية اليسارية بشكل عام في العالم العربي، وهو الأمر الذي فتح مجالًا خصبًا لتخلق الصحوة الإسلامية في رحم السلفية السعودية، عندما قامت الحكومة السعودية بشهامة ومروءة على استضافة قادة جماعة الإخوان المسلمين الفارين من ملاحقة الرئيس المصري الراحل ذلك الحين.

ويرى “العضاض” أن تدفق قيادات وأفراد الإخوان على المملكة بشكل منظم ومخطط له، سمح للقيادات الإخوانية بالعمل والتغلغل داخل العمق المجتمعي للدولة السعودية، وكان هذا التوجه من الحكومة ضمن حزمة إجراءات وأعمال داخل إطار فكرة الأمة الإسلامية والتضامن الإسلامي، مقابل الفكرة القومية.

وفي محور تطور الصحوة أوضحت الدراسة أن الصحوة بمختلف أطيافها لم يكن لها أي ظهور أو تأثير يذكر، حتى قيام الجماعة السلفية المحتسبة بحادثتها الشهيرة في الحرم المكي الشريف، ماعدا اضطلاع بعض الافراد من جماعة الإخوان المسلمين من غير السعوديين بمهمة تأليف المناهج الدراسية، وقيام بقية التنظيمات والخلايا على احتواء طلاب المعاهد والجامعات القليلة حينها، والعمل على انضمامهم للمجموعات التنظيمية والحركية، وهو عمل تربوي يحتاج إلى مدى زمني بعيد لا تظهر نتائجه إلا بعد سنوات طويلة، غير أن ما قامت به الجماعة السلفية المحتسبة في الحرم المكي الشريف جعلت الموازين تتغير وتختلف، وهو الأمر الذي حدا بالدولة السعودية إلى أن تفسح المجال للمناشط الدعوية التي يُظن أنها سلمية وبعيدة عن السياسة درءً لخطر الإرهاب والتطرف الذي أطل برأسه مع حركة الجماعة السلفية المحتسبة.

وناقشت الورقة البحثية تمدد الصحوة المتصاعد بانتظام من بعد العام 1979 م، والذي ساعدها على ذلك تغلغل أفرادها في بعض الأجهزة الحكومية، مما جعل الصحوة تنتشر عبر أقنية تلك الأجهزة في كل مدينة ومحافظة في المملكة بلا استثناء، ناهيك عن الجهود الكبيرة التي كان يقوم بها أفراد تلك التنظيمات لتجنيد وضم كل من يمكن ضمه إلى التنظيم، كما استطاعت الصحوة حيازة أماكن رسمية وغير رسمية مرموقة مكنها من النفوذ إلى أوساط لا يستطيع الداعية العادي الوصول لها بسهولة، كما أنه وقاها وبعض رموزها من ضربات كادت أن تكون قاضية.

وخرجت الدراسة بعدة توصيات كان من بينها ما يلي: الصحويون الحركيون وقيادتهم، مواطنون سعوديون، ويجب أن يتم التعامل معهم على هذا الأساس من جانبين: الأول الأخذ على يد بعضهم من جهة ادعاء العالمية وأنهم غير متربطين بقطر معين، الثاني: أن يعاملوا كما يعامل المواطن السعودي الذي يخطئ ويعطى فرصة المراجعة وتصحيح المسار والتكفير على كل جرم ارتكب في حق الوطن، كما يجب أن لا يُقبل أي تهاون مع أي ممن تورط في تكفير أو عنف أو إرهاب أو إقصاء ولو بطريق غير مباشر، بالإضافة إلى إنشاء مركز دراسات الصحوة في أي من جامعات المملكة.

الخضر: الأجواء السياسية أتاحت الفرصة لتمدد الحركات الإسلامية

أتاحت الأجواء السياسية الدولية للحراك الإسلامي من خلال المنظمات والجمعيات الخيرية والجماعات الإسلامية مساحة حرية أكبر، بسبب أجواء الحرب الباردة منذ الستينات والسبعينات والثمانينات، ثم الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، حيث صنعت إطارا واسعا للتواصل بين مختلف الأفكار والتيارات الإسلامية في المنطقة العربية، وأحدثت منعطفا مؤثرا في بنية الوعي والنخب الدينية، و وضف  الخطاب الدعوي هذا الحدث لتأجيج المشاعر الدينية ومواجهة الأعداء مع دعم الحكومات العربية، مما أدى إلى شحن المجتمع العربي بصورة أكبر مما يسمح به الوعي.

كما يرى الباحث عبدالعزيز بن محمد الخضر في ورقته البحثية التي قدمها في الجلسة الثانية أن موت الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 أزال العقبة الرئيسية أمام ظهور الأصولية الإسلامية ظهورا كليا”، وكان تولي أنور السادات الحكم في مصر من بعده فرصة نادرة أمام حركة الإخوان لتأكيد حضورهم في مصر، وقد أطلق السادات سراح الإخوان وشجعهم على اتخاذ مواقع لهم في اتحادات الطلاب وسواها في المجتمع، واستغل عداوة الإخوان التاريخية للناصريين لمواجهتهم.

وتوضح الدراسة أن عام 1979م  كان نقطة تحول غير متوقعة في خارطة الإحياء الإسلامي السياسي حيث شهد سقوط نظام الشاه القوي، وكان أحد العوامل المؤثرة في الواقع العربي حتى  لدى العلمانيين، وبعدها بعدة أشهر أتت حادثة جهيمان واقتحامه للحرم في شهر نوفمبر 1979م في الأول من محرم عام 1400 هجرية، وفي ديسمبر 1979م بدأ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وكان الهدف المعلن هو حماية الحكم الشيوعي في كابل بعد الانقلاب على الحكم الملكي.

ابن الشيخ: لجماعة الإخوان المسلمين دور كبير في تطور مفهوم الصحوة

الباحث محمد بن خلف ابن الشيخ مشرف عام بمركز الوعي الفكري بوزارة التعليم، قدم في دراسته التي أعدها  لمفهوم الصحوة ودلالاته معتبرا إياه مصطلح أدبي فضفاض وكما هي طبيعة الأدب وأخذه للمعاني الواسعة فقد استعملت كلمة الصحوة بشكل واسع وبعدة مدلولات كلٌ حسب توجهه ومقصده ومن هنا يتبين أنها كلمة أدبية وليست بمصطلح محدد له مدلولاته ودلالاته المحددة كما هي طبيعة التعريفات، حيث يعني مصطلح “الصحوة” حالة من التشدد الديني والانغلاق ونبذ الآخر…إلخ، وبالفعل سطع نجمهم وأصبحوا يرون أنفسهم حراساً للفضيلة في هذا المجتمع، وأن اختفاءهم يعني اختفاء الفضيلة من المجتمع.

وفيما يتعلق بتطور مفهوم الصحوة أوضحت الدراسة أنه ازدهر وأصبح أكثر رواجا في القرن التاسع عشر، إلا أنه كمفهوم يعتبر كحال أي مفهوم في اللغة، لم يبق على حاله في دلالاته ومعانيه، بل تطور وتبدل نتيجة لتفاعل الشخصيات الرائدة والنخبوية معه، سواء دينيا أو ثقافيا، وأخذ أشكالا دلالية مختلفة خلقت أنماطا سلوكية مختلفة نتيجة الأفهام المختلفة للمصطلح، بالرغم من أنه قد شاع استخدامه من كافة الشرائح والأطياف في المجتمعات الإسلامية، إلا أنه مصطلح أطلقه الإخوان المسلمون فتلقفه الناس بقبول تام دون تمحيص أو تدقيق.

وقد حدد “ابن الشيخ” القنوات التي تم من خلالها نشر هذا المفهوم في التعليم والإنترنت والخطاب الديني وحلقات التحفيظ والشريط الكاسيت والعائدون من مناطق القتال والمراكز الصيفية، وخلص بعد ذلك إلى عدة توصيات منها الاهتمام بالأسرة كأحد ركائز الدعم الوطني كما نصت علية المادة التاسعة من نظام الحكم السعودي ببرامج متنوعة ملزمة بالشراكة مع المدرسة، والوضوح والموضوعية في بيان خطر الأفكار المنحرفة على التنمية والأمن، بالإضافة إلى إشراك الشباب والشابات في برامج البناء والتخطيط الاستراتيجي، ومطالبة مراكز التوعية الوطنية بالاهتمام ببرامج أكثر شمولية يتطلبها الواقع.

وناقشت الجلسة الورقة البحثية المقدمة من الدكتورة عزيزه سعيد شاهر الصاعدي والتي تناولت ما خطط له دعاة الصحوة لسحب البساط من تحت العلماء الربانيين، وإبعادهم عن القلوب والعقول، ورأى هؤلاء الدعاة لكثرة أتباعهم، وانتشار دروسهم ومحاضراتهم أنهم ندٌ للعلماء الكبار فأخذوا يعارضونهم في الفتاوى بل ويخطئونهم، ويصرحون بذلك.

وأوضحت الدراسة أنه قد نتج عن هذا التغييب للعلماء الربانيين ظهور الانقسامات والأفكار والجماعات، حيث تحمل كل جماعة فكرا بعيدا عن نور النبوة والمنهج الصحيح، وانتشرت ظاهرة تكفير الحكام، بل والعلماء أيضا بشكل صريح وعلني، ووصف المجتمعات بأنها مجتمعات جاهلية، فضلاً عن ظهور فتاوى غريبة سببها الرئيس الافتتان بحال الغرب، والسخط على واقع المسلمين ،ومن أشهر هذه الفتاوى: تجويز المظاهرات وتسميتها بالسلمية، والتشهير بأخطاء الحكام على المنابر ومواقع التواصل الاجتماعي والطعن فيهم، مما أضعف هيبتهم ومكانتهم عند الناس، وأدى إلى ظهور سمات التفريط في المجتمع المسلم، وبأساليبهم وطرقهم روجوا لقبول الأفكار وما يسمى بالتجديد، ومهدوا لعوام الناس قبول أراء الغرب وأفكارهم المغايرة للمنهج الصحيح والمخالفة له.

وأوصت دراسة “الصاعدي” بضرورة الالتفاف حول العلماء الربانين، وأخذ العلم عنهم والتزود بآرائهم ونصائحهم، وإنعاش حلقات وعلم هؤلاء العلماء ونشر دروسهم ومحاسنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلزام الجامعات باستضافة هؤلاء العلماء بشكل دوري، وفتح باب الحوار مع الشباب ومناقشة فكرهم ونصحهم بواسطة هؤلاء العلماء، ومعاقبة من يشوه صورتهم ويسيء الأدب معهم، وجمع مقالاتهم وآرائهم وردودهم على المخالفين لمنهج الصحابة والتابعين، والاستفادة منها ونشرها.

الجلسة الثالثة

تم  استغلال مصطلح الصحوة الإسلامية في التمدد الحزبي..

جماعة الإخوان نموذجا

التمدد الحزبي لتيار الصحوة وعلاقته بالدولة

آل الشيخ: انخراط بعض الشباب في حرب أفغانستان دون تحصنهم بالعلم الشرعي وضع بذور انحراف الصحوة

الثبيتي: جماعة الإخوان استغلت مصطلح الصحوة في التمدد الحزبي

السحيباني: الحزبية أضعفت الأمة.. والتعصب للهيئات دفع إما إلى الغلو أو التساهل

عقد الولاء والبراء هو الأساس الذي يرتكز عليه تيار الصحوة وهو يمثل العلاقة بين هذا التيار ورموزه وكتبه وأساليبه وطرائقه وبين التيارات الإسلامية الأخرى، والمنظمات والدولة باعتباره الحق الذي لا محيد عنه، وهذا يتجلى في كتابات حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

هذا ما أكدته دراسة نوقشت في الجلسة الثالثة لمؤتمر الصحوة في جامعة القصيم قدمها الدكتور أيمن بن سعود العنقري الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنه إذا تقرر هذا الأمر لدى هذه الجماعة وفروعها في العالم العربي، ومنها تيار الصحوة في المملكة فإنه يمكن أن ينجلّي موقفه من الدولة، خاصّة إذا علمنا أن الدعوة إلى الخروج على الحكّام وإثارة الناس عليهم يعتبر أصلاً عندهم، بناءً على ما ذكر في تقريرات حسن البنا وسيد قطب.

وتوضح الورقة البحثية موقف تيار الصحوة من الدولة الذي يقوم على التهوين من مسألة السمع والطاعة للحاكم المسلم في غير معصية الله، وعدم طرحها لأتباعهم، كما عليه تقريرات أئمة أهل السنة في ذلك مع أن النصوص في السنة كثيرة في الأمر بذلك، وأن في أعناقنا بيعة لولي الأمر، وهذا أصل من أصول العقيدة السلفية، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا.

لا شك أن بعض الجماعات المتطرفة استفادت من إقبال الشباب السعودي على التديّن في كسب مزيد من المؤيدين لأفكارها، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين التي ساهم الواقع السياسي في عهد الملك فيصل في منح الجماعة مساحة واسعة من العمل والنشاط والانتشار في السعودية، وقد استثمر الإخوان ذلك جيّداً، وساهموا بنشر خطابهم الديني والفكري في المجتمع عبر هذه المساحة المفتوحة، وإن كان بصورة سرية وغير رسمية، مما ضاعف قوة الجماعة وعزز قدرتها على التجنيد والتعبئة، وبناء جماهيرية الجماعة، التي تحولت مع مرور الوقت إلى” تنظيم الإخوان السعودي.

وتوضح الدراسة التي أعدها الدكتور محمد بن عبيد الله بن ناصر الثبيتي أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الباحة، أن حكمة الله اقتضت أن يكون العلماء هم الرواد الذين يحملون النور في الظلمات الحالكة، وأن يكون علمهم هو الهادي للمسلمين، فيبثون بهذا العلم الثقة في النفوس المهزومة، ويبعثون الأمل في القلوب المقهورة، ويشخصون الداء ويصفون الدواء.

وتقف الدراسة عند رأي كبار العلماء في المملكة الذين حذروا من جماعة الإخوان المسلمين لما رأوا من مخالفة دعاتها لهدي الكتاب والسنة، مما أوجب عليهم ألا يسكتوا عن بيان كلمة الحق في أمثال هؤلاء المنحرفين عن المنهج القويم، فمثلا هذا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله– أدرك بثاقب نضره وعميق فهمه ومعرفته بواقع الفرق والجماعات الإسلامية خطورة مسلك جماعة الإخوان، كما قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان:” فقد حاول أعداء هذه الدعوة (أي دعوة التوحيد) أن يقضوا عليها بالقوة فلم ينجحوا، وحاولوا أن يقاوموها بالتشكيك والتضليل والشبهات ووصفها بالأوصاف المنفرة، فما زادها إلا تألقاً، ووضوحاً، وقبولاً وإقبالاً، ومن آخر ذلك ما نعايشه الآن من وفود أفكار غريبة مشبوهة إلى بلادنا باسم الدعوة، على أيدي جماعات تتسمى بأسماء مختلفة مثل: جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ وجماعة كذا وكذا.

وترى الدراسة أن دعاة جماعة الإخوان قد استغلوا الثقة التي منحتهم المملكة إياها، حينما أوكلت إليهم تعليم وتدريس أبنائها، فتظاهروا بالحرص على أبناء المملكة تعليماً وتثقيفاً، وأبطنوا أهدافهم الحركية، التي حققوها عبر توظيف الصحوة الإسلامية في نشر دعوتهم في أوساط المجتمع السعودي.

وتم خلال الدراسة إيراد عدد من التوصيات التي يمكن أن تسهم في وقاية المجتمع المسلم من خطر استغلال مصطلح الصحوة كان من أبرزها: توعية الشباب بخطورة المصلحات الحادثة على مسار الدعوة الإسلامية، وبذل الوسع في تنقية العمل الدعوي من كل فكر أو منهج مخالف لهذه البلاد ومنهجها الوسطي حرصا على أمنها واستقرارها، بالإضافة إلى حرص العلماء والدعاة على توضيح موقف الإسلام من الفرق الإسلامية المنحرفة، ووقف تمدد الإخوان المسلمين في المجتمع السعودي من خلال جمع وتفنيد شبهة الجماعة والرد عليها ودحضها  بالحجة والبرهان، وحرص المؤسسات العلمية والتربوية في التعلم العالي ومن خلال هذه الدراسة والدراسات اللاحقة لها على تطوير المناهج الدراسية وخاصة مناهج ومقررات الدراسات الإسلامية وتنقيتها من المصطلحات الحادثة، بما يضمن الحصانة الفكرية للطلاب، وبناء موسوعة شاملة  ومتجددة للمصطلحات الحادثة، وتوضيح موقف الإسلام منها للحد من شيوعها.

الدكتور هشام بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد آل الشيخ حاول أن يقتفي أثر العلاقة بين المنهج السلفي وعلاقته بالصحوة الإسلامية، فالمملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومنبع الرسالة ودأب حكامها منذ التأسيس الأول على التمسك بالمنهج السلفي والتأكيد عليه، بل ونشره وتدريسه في الجامعات والمدارس، وبث الدعاة في الخارج لتعليم الناس هذه السمات التي يتسم بها ديننا الحنيف.

وتطرقت الدراسة إلى ما حدث في منتصف العقد الأول من بداية القرن الهجري الحالي أي في منتصف الثمانينات الميلادية وفي خضم الغزو السوفييتي لأفغانستان، حيث بدأت بذور الانحراف حينما شارك بعض أبنائنا في ذلك الصراع، دون أن يتحصنوا بالعلم الشرعي الكافي ودون أن يكون عندهم القراءة المتأنية بمآلات الأمور، ولا العلم بطبيعة المعركة هناك، ولا بالجماعات الموجودة في الساحة الأفغانية آنذاك، والتي تبين فيما بعد أنها مخترقة من جماعات التكفير والهجرة، وجماعات الإخوان، وكان للدعم المعنوي من العلماء والدعاة، والدعم المادي من المحسنين دورٌ في تسهيل تأثر الشباب بأفكار تلك الجماعات المنحرفة، والتمرد عن سمات المنهج السلفي الحق.

وحينما أقبلت أحداث الخليج الثانية (غزو الكويت) عام 1990م تحركت بذور تلك النبتة الخبيثة والتي دعت إلى معارضة العلماء الكبار في ما هو من صميم عملهم، فبدأت أفكار الخوارج تنشأ منادية بخطأ الدولة في الاستعانة بالقوات الأجنبية، وأن ذلك كفر يخرج الدولة من شرعيتها، وبدأت فكرة الإنكار العلني على الحاكم، وتهييج العامة من خلال الخطب والمحاضرات والندوات التي كانت تقام في المساجد والمدارس، وظهرت أصوات تصف أعضاء هيئة كبار العلماء المعينين من قبل الدولة بأنهم علماء السلطان ليضعفوا ارتباط العامة بهم.

وتوضح الدراسة أنه تم من خلال ذلك الانحراف بالصحوة عن طريقها المعتدل وربط هذا المصطلح بطريقة أولئك المهيجين للتغرير بالعامة وتمرير فكرهم من خلال أن (الصحوة الإسلامية) تقتضي أن يتم نقد مشروع الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني من خلال مذكرات النصيحة التي تم نشرها ليطلع عليها العامة، وفي المقابل كان تعامل ولاة الأمر مع تلك الفئة المهيجة بمنتهى الحلم والأناة فأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بتشكيل لجنة منبثقة عن هيئة كبار العلماء سميت في حينها بـ (اللجنة الخماسية) للنظر في تجاوزات بعض الدعاة، وكانت برئاسة سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

وتتوصل الدراسة بناءً على ما سبق إلى أن مصطلح (الصحوة الإسلامية) خرج من تحت عباءة الخميني الهالك، ووظف لصالح المنهج السلفي ردحاً من الزمن، ثم أصبح رمزاً وشعاراً للحركيين المهيجين، في حين أن علماء هذه البلاد المباركة لم يوصف أحد منهم بأنه من علماء الصحوة أو من دعاة الصحوة، لكونهم متسمين بسمات المنهج السلفي، سائرين على الهدي النبوي، لم تغيرهم الظروف، ولم تؤثر فيهم الأحداث، كما تنبه الدراسة على أن لا يتخذ تجريم هذا المصطلح للنيل والقدح من المسلمات والثوابت الدينية أو الحط من المؤسسة الدينية الرسمية بالمملكة، فالمصطلحات تذهب وتجيء تبعاً لمن يوظفها لصالحه.

وتناولت الورقة البحثية التي قدمها الدكتور علي بن عمر السحيباني أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم، الحزبية التي كانت سبباً في ضعف الأمة، وانحراف كثير من الشباب المسلم عن المنهج الحق، وفقدانهم طرق الاستدلال، وقواعد معرفة الحق، مما دفعهم في كثير من الأحيان، إلى الغلو أو التساهل بسبب التعصب للهيئات، أحزاباً كانت أو جمعيات، كما دفعهم إلى التعلق بالأعيان، قادة كانوا أو شيوخا، الأمر الذي يُذهب نور الحق، ووضوح الطريق.

ويرى “السحيباني” أنه لو لم يكن من ثمار التحزب سوى التفرق، وما يترتب عليه من الدفاع عن الهيئات والأعيان تعصباً، في وجه الدليل لكفى به شراً، ونعوذ بالله تعالى منها، وممن يدعو إليها، فالدعوة إليها دعوة إلى باطل بنص الكتاب والسنة، وكذلك أظهرت الدراسة خطأ من احتج على جواز التحزب بأدلة وجوب تحزب المسلمين جميعاً في مواجهة الكفر والكافرين.

وتحذر الورقة البحثية من الدعوات التي بدأت تظهر مؤخراً والتي تحاول أن تخلط بين الدين والصحوة، وأن الدين يحارب ويستهدف ولذلك يجب أن يوضح للمجتمع أن نقد الصحوة ليس نقداً للدين، أو نقداً للسلفية، كما يروج بعضهم، وذلك لتشويه صورة الدولة لدى المجتمع، وقد استغل هذا الوهم أعداء الوطن في الخارج عبر صحفهم وقنواتهم الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يحاول هؤلاء تكريس فكرة عدوانية تجاه الدولة، وأنها رضخت لقوى أجنبية تفرض على حكومتنا تغريب المجتمع وتمييع الدين.

الجلسة الرابعة

إشكاليات الخلافة في خطاب الصحوة وتأثر الصحوة بأفكار جماعة الإخوان

مناقشة دور علماء المملكة في توجيه الصحوة وتقويمها والتحذير من الغلو والتشدد

أبا الخيل: بعض الحركات الدعوية والأحزاب الإسلامية تأثرت بحركة الإخوان في مصر

السليم: لعلماء المملكة دور كبير في توجيه الصحوة وتقويمها

العُمري: بعض الحركات الإسلامية استغلت مصطلح الحاكمية لفرض أجندتها السياسية والفكرية

“إن طلب الخلافة في ظل النصوص الواردة ليس مقصودا بحد ذاته، وإنما المقصود من الخلافة هي اجتماع الكلمة لتتحقق مصالح الدين والدولة وهذا يحصل في الملك والإمامة والرئاسة، ولما كانت الخلافة بهذا المفهوم في التراث الإسلامي فلماذا تحولت الخلافة إلى مشكلة في خطاب الصحوة؟ ولماذا حضر هذا المصطلح؟”

أجاب الدكتور خالد أبا الخيل عميد كلية الشريعة بجامعة القصيم على هذه التساؤلات في ورقته البحثية التي حملت عنوان “إشكاليات الخلافة في خطاب الصحوة”، وناقشتها الجلسة الرابعة والأخيرة من مؤتمر الصحوة ، وترأس الجلسة الدكتور سليمان بن علي الضحيان أستاذ النحو والصرف بجامعة القصيم، حيث أكد “أبا الخيل” في دراسته على أن الكثير من الحركات الدعوية أو الأحزاب الإسلامية تأثرت بالحركة الأم في مصر وهي جماعة الإخوان المسلمين، وهذا التأثر قد لا يكون مباشراً كما عندنا في السعودية، فربما الشاب المنخرط في مناشط الصحوة وأعمالها لا يعرف شيئاً عما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، لكنه حقيقة تشكل وعيه على أدبياتها فالكتب التربوية التي تصوغ رؤية الشاب للحياة هي كتب إخوانية بامتياز، ككتاب  العوائق والمنطلق لمحمد أحمد الراشد،و كتب أحمد فايز، وسعيد حوى وغيرهم.

ويرى “أبا الخيل” أن هذه الكتب بلا استثناء تلغي هذه الحدود بين الدول وتكرس في وعي الشاب أن بلاد الإسلام واحدة، حيث تؤكد الدراسة أن هذا الضخ التريوي الكبير دفعت الصحوة من خلالها بمنظومة كاملة من القيم والتصورات لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذه المنظومة يرافقها قدرة هائلة على ترويجها عبر عنصر اللغة والبيان والإنشاء.

ويوضح “أبا الخيل” أن هذه الجماعة لظروف سياسية خاصة في مصر أصبحت أيقونة المظلومية والاستضعاف عند كثير من الشباب العربي المسلم، وتحت هذه الأيقونة جرى تمرير الكثير من أفكارها لأبناء المجتمعات الإسلامية دون مقاومة تذكر، وبهذا نجحت في ترسيخ أفكارها وتصوراتها، وتقديمها للناس على أنها التصور الصحيح والكامل للدين وللحياة.

وتؤكد الورقة البحثية أن جماعة الإخوان تم تأسيسها لتعويض حالة الخلافة العثمانية التي سقطت عام 1924م، فتم تأسيس الجماعة عام 1928، ولذلك حاولت هذه الجماعة أن تحافظ على عدم انخراط أعضائها في الدولة، نعم لا مانع لديها أن تستفيد من الدولة، وتعمل في وظائفها، وتصل لأعلى المراتب في سلمها لكن مع ذلك فهي في حالة عزلة شعورية واغتراب عن الدولة، ونتيجة لظروف النشأة اتجهت هذه الجماعة إلى المعارضة الأزلية للدولة بمعناها الحديث، لأنها تنافي مفهوم الخلافة، ولهذا يمكن القول بكل وضوح بأن الاقتراب من فكر الجماعة يعني بالضرورة الابتعاد عن مفهوم الدولة، وقد نتج عن هذا التأثر مجموعة من المظاهر التي لا تخطئها العين.

وتؤكد الدراسة أن أول هذه المظاهر هو وجود حالة من القطيعة بين الصحوة والدولة، وثانيها محاولة عزل الشباب عن العلماء الرسميين الكبار، وفي نظرة سريعة للعلاقة بين رموز الصحوة وبين العلماء الرسميين الكبار نلاحظ وجود علاقة تتسم بالحذر في كثير من الأحيان، فالعلاقة بينهما لم تكن علاقة حميمة تتسم بالدفء بل كانت تتراوح بين الحذر والصراع وكان الكثير من مشايخ الصحوة يرون أن من الحكمة تحييد هؤلاء العلماء وعدم الدخول معهم في  أي صراع، إذ هم بحاجة إلى المشايخ الرسميين أكثر من حاجة هؤلاء المشايخ لهم، وثالثها هو صناعة منطقة فاصلة بين الدولة والشاب سموها منطقة الحياد، ولكن الحقيقة أنه لا توجد منطقة فاصلة بين الدولة وبين التنظيم، إما أن تكون مع الدولة أو ضدها، فالذي ليس مع الدولة هو مع التنظيم، هو مع الجماعة هو مع الحزب.

وأوضح الأستاذ الدكتور فريد بن عبد العزيز الزامل السليم أستاذ النحو والصرف في كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالجامعة خلال الجلسة أن هذا المؤتمر جاء ليكون بابًا يفتحه الدارسون، ليشعلوا في الطريق قنديلاً، وقدم ورقته بعنوان “دور علماء المملكة في توجيه الصحوة وتقويمها” قال فيها أن الصحوة شكلت ظاهرة تستحق أن تدرس دراسة وافية متأنية، فهي إشكالية في أسبابها، وتاريخها، وجوهرها، وتطبيقاتها، وآثارها.

وتوضح الدراسة أن الصحوة اقترنت  بالتدين، فتأثر الاسم بالمسمى، فاتخذ أهل الباطل من هذا الاقتران سهامًا رموا بها أهل التدين الحق، بل رمى بها غلاتهم الإسلام نفسه، وعلماءه وتعاليمه، مضيفًا أن دلالة الصحوة تعددت باختلاف الاعتبارات والسياقات، ومن هنا كانت إشكالا يستحق الوقوف عنده، وتحليل مدلولاته، وقد كثرت الدراسات حول ذلك المفهوم، من خلال دراسة تلك الحقبة التاريخية، التي نسب لها هذا المسمى، متناولة المصطلح من جانب تاريخي، واجتماعي، وفكري، وكما وقع الاختلاف في الأسباب والنتائج.

ويرى “السليم” أن تحديد زمنها قد وقع فيه الخلاف أيضًا، ويجب أن نبين المفهوم من خلال منظور العودة للتدين غير الانتقائي، حيث عصفت بالناس، وخاصة الشباب، مناهج مختلفة، أبعدتهم عن دينهم، ثم عادوا إليه لما خفتت أصوات ذلك المنهج، وظهر عوارها، ولم تثبت أمام الواقع، تطبيقات تلك العودة غير الموافقة لمضمونها، حيث دخل ذلك التدين شيء من الجهل، والغلو، والنفعية، والتحزب، والخروج، مما يخالف جوهرها، والتي أطلق عليها “إفرازات الصحوة”.

 وكان الناس حولها ثلاث فئات: الأولى: من ظل يمجدها، ويتغافل عن إفرازاتها، والثانية: من عُني بانتقادها نقدًا موضوعيًّا، فحذر من إفرازاتها، ودعا إلى العودة إلى جوهرها، والثالثة: من عارض الصحوة بمعناها الأولي، فاتخذ تلك الإفرازات مدخلاً للقدح بها من أصلها، وبيان ضلالها، وانخداع الناس بها.

وتوصلت الورقة البحثية إلى أن الغلو محذورًا شرعيًّا كبيرًا، لأن الله تعالى وصف هذه الأمة بأنها أمة وسط، أي معتدلة مستقيمة، وكان الوسط بمعنى الاعتدال، ولما كان الإقبال في ذلك الزمن على أشده، والناس تتداعى إلى الخير وتتواصى به، كانت الفرصة سانحة لانزياح نحو الطرف في الأمور كلها، فغلا بعض الناس في أمر التعامل مع المرأة، واختل الميزان في الدعوة بين الترهيب والترغيب، إذ مالت كفة الترهيب، وكذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا تحقق هذا الانزياح تحول المحمود إلى مذموم.

وناقشت الجلسة أيضا الورقة البحثية المقدمة من الدكتور عادل بن محمد العُمري أستاذ القران وعلومه في كلية العلوم والآداب بالرس بعنوان  “مفهوم الحاكمية لله بين النص القرآني والتأويل السياسي”، والتي تطرق فيها إلى أكثر المفاهيم التي شاعت وانتشرت في حقبة ما يسمى بالصحوة، وتبنَّته الجماعات الحركية الإسلامية ألا وهو مفهوم الحاكمية بأبعاده السياسية، والذي أصبحَ محركاً لتلك الجماعات التي اتخذت من مصطلح الحاكمية لله شعاراً دينياً تفرضُ به أجنداتها السياسية والفكرية والاجتماعية؛ حتى تحوَّلَ هذا المفهوم إلى مرتعٍ خصبٍ لتكفير الدول والمجتمعات المسلمة، وحجةٍ لاستباحة الدماء.

 كما ركز “العُمري” في ورقته البحثية على  مفهوم الحاكمية لله لغةً، ومفهومها في النص القرآني الخالص، ثم الحديث عن مصطلح الحاكمية لله نشأةً قبل ظهور هذا المصطلح، ثم تأصيلاً بعد ظهور هذا المصطلح الجديد، ثم الحديث عن التأويل السياسي لفكرة الحاكمية وعلاقة ذلك بالنص القرآني، ثم ختام البحث بذكر نتائج التأويل السياسي المعاصر لفكرة الحاكمية.

ومن أبرز النتائج التي خلُصت لها هذه الدراسة هو وجود غموضٍ وضبابيةٍ وخلطٍ علمي لدى منظِّري فكرة الحاكمية لله بمعناها السياسي، معتبرة أن سبب هذا الغموضُ والخلط لأنها قضيةً دينيةً تمَّ توظيفها لأغراضٍ سياسية، كما لا يختلف تفسير الحاكمية لله بمعناها السياسي عند الخوارج عن معناها في العصر الحديث.

وفي ختام الجلسة تحدث الدكتور سليمان بن محمد المحيميد الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة عن ورقته البحثية التي قدمها بعنوان “التحزب.. قراءة في إشكاليات الصحوة” أكد فيها على أن الخطاب الثقافي بالمملكة العربية السعودية زخر خلال الستين سنة الماضية بتعدد الاتجاهات وتنوع العطاءات وتبادل المعلومات واختلاف الطروحات، كما كان للتفاعل الثقافي الذي شهدته المملكة مع بقية دول العالم بسبب الانتقال من أدوات الحياة البدائية إلى التقنيات المعاصرة وخاصة وسائل الإعلان المختلفة، دوره في نشوء حراك ثقافي كان له تأثيره على المجتمع السعودي بجميع تياراته وطوائفه.

وجدولت دراسة “المحيميد” المؤثرات الثقافية خلال الستين سنة الماضية في أربع مراحل مهمة كان أولها في بداية العقد التاسع من القرن الرابع عرش الهجري حيث زحف الفكر الشيوعي وانتشرت موجة الاشتراكية في البلدان العربية، أما المرحلة الثانية فكانت في مطلع القرن الخامس عشر الهجري إذ زحفت الشيوعية عسكريًا نحو بعض البلدان الإسلامية، كما تغير نظام الحكم في إيران.

وبدأت المرحلة الثالثة في العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري حيث سقطت الشيوعية بمبادئها وقيمها سقوطًا مدويًا، وأعقبه اجتياح العراق للكويت، والتحالف الدولي في مواجهة العراق، في حين كانت المرحلة الرابعة مع مطلع العقد الرابع من هذا القرن، حينما اجتاحت الثورات كثيراً من البلدان العربية وانتشرت فيها ومازالت تزهق الأنفس وتسفك الدماء ويروع الأمنين وتخرب الديار وتدمر البنية التحتية، وقد اتسمت هذه الحقبة الزمنية بزيادة المشاعر الدينية لدى جميع الطوائف العقدية إزاء تنامي الولاء للتيارات الفكرية، وقد سادت هذه الحالة جميع الأديان في دول العالم دون استثناء، وتحدث المثقفون عن ظاهرة التدين وأصوله واليقظة والصحوة باعتبارها ظاهرة عالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى