أعمدة

سوق العمل يحتاجك ولا يحتاج تخصصك

فهد بن نومه
رئيس التحرير

تخرج “محمد” من الثانوية بنسبة عالية، وبعد قبوله في الجامعة.. دخل في مرحلة بحث وحيرة.. إلى أن التحق بأحد التخصصات التي رأى أن لها مستقبل وسمعة حسنة.
وبعد جهد وعناء واجتهاد، تخرج “محمد” بمعدل عال، ولكنه فضل ممارسة أعمال أخرى لا تمت لتخصصه بصلة، حيث توجه للعمل الحر في مجال التجارة.. رغم عدم وجود خبرة سابقة لديه في هذا المجال.. وللأسف لم يحالفه الحظ، ولم يستطع منافسة أصحاب الخبرة في هذا المجال..
المقربون منه، وبعدما علموا بما آلت إليه حياته العملية، بدأوا في انتقاد التخصص الذي اختاره لنفسه، بزعم أنه غير مطلوب في سوق العمل، وبدأوا يثيرون الجدل حول ذلك واضعين “محمد” كمثال حي واقعي لعاقبة سوء الاختيار.. بل تخطوا ذلك إلى انتقاد التخصص ذاته الذي تسبب – كما زعموا – في الفشل الذي ناله، حتى شاع بين الأوساط والمعارف القريبة من “محمد” أن هذا التخصص غير مناسب لسوق العمل.
بمجرد سماع هذه القصة، يتضح لنا بعض الأحاديث غير الدقيقة والشائعات عن التخصصات الأخرى، حيث إن “محمد” هو من فضل ألا يعمل في مجال يتناسب مع تخصصه ومع ما اكتسبه من مهارات علمية وعملية خلال سنوات الدراسة بالجامعة، ورغم ذلك فإن المجتمع دائماً – أو أغلب الأحيان – يحيل العتب واللوم على التخصص وليس على الشخص الذي لم يحسن استغلال معارفه وتوظيفها في سوق العمل.
ولو رجعنا إلى نقطة أبعد من ذلك، فإنه يجدر بنا الإشارة إلى أن زملاء “محمد” الذين كانوا معه في نفس القاعة الدراسية، وتلقوا نفس المحاضرات والمقررات الدراسية من نفس الأساتذة وتدربوا على المهارات المطلوبة لهذا التخصص، قد استطاع الكثير منهم أن يسلك طريقه إلى سوق العمل بنجاح وتفوق وإبداع، بل وإننا قد نجد أن من بينهم من تفوق بصورة ملفتة في مجال عمله وأصبح يشار إليه بالبنان من زملائه والمقربين منه.
ومما سبق يمكننا أن نستخلص، أن المهمة الأساسية للدراسة الجامعية تتمثل في تأهيل الخريج والخريجة علميًا، وإنما تضعهم على أول الطريق وتزودهم بالعلم والمعرفة والتدريب العملي للتخصصات التي تحتاج ذلك، وترشدهم إلى الفرص المتاحة لهم بما تعقده من ندوات وشراكات مع المؤسسات والشركات العامة والخاصة، وليس من مهمتها أن توظف خريجيها، كما أنه ليس من مهامها أن تضمن التزامهم بمقتضيات وظائفهم وتفوقهم وإبداعهم في تنفيذ المهام الموكلة إليهم.
لذلك.. لا تبحث عن تخصص يبحث عنه سوق العمل، أو تهرب من تخصص لأن الجميع لا يراه مناسباً، ولكن اختار لنفسك التخصص الذي تستطيع أن تبدع فيه وتستطيع أن تتميز فيه.. مع تمنياتنا للجميع بمستقبل مشرق بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى