الإقصاء
منيب القصير
كلية الصيدلة
من أسوأ الآفات التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا هي آفة إلغاء الآخر أو إقصاؤه، والعقلية الإقصائية هي آفة المجتمع التعددي وخطرها عليه أشد فتكا من الخطر الخارجي، فالثقافة الإقصائية نوعا من التفكير الشخصي الذي يتم من خلاله تشويه صورة الآخر بقصد إقصائه أو تهميشه، وصاحب العقلية الإقصائية يحاول التقليل من شأن الأشخاص الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، والذين لديهم أراء ومواقف تختلف مع آرائه ومواقفه.
اختلاف الآراء ووجهات النظر أمرٌ طبيعي يحدث في كل جهة ومؤسسة وإن تعدى ذلك إلى الاختلاف الشخصي بين الرئيس ومرؤوسه فيبقى الودّ والاحترام بينهم حتى تتبين الحقائق وتهدأ الآن، ولكن حينما يدخل الرئيس سياسة الإقصاء والتهميش لكل من يخالف رأيه أو يخالف توجهاته فتعتبر آفة أشد خطرا وفتكا من أي سياسة أخرى فثقافة الإقصاء والتهميش مناقضة لطبيعة الحياة التعددية وتصطدم مع الطبيعة النسبية للحقيقة.
وكل إنسان يرى أنه على حق من وجهة نظره، وهذا ليس عيبا أو نقيصة طالما هو يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، فهذا الكون يتسع لهذا الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر.
بالرغم من التطور الفكري والعلمي الذي شهدته البشرية، والثورةالمعلوماتية الهائة، لا زالت ثقافة الإقصاء والتهميش التي تعني إبعاد الأخر وتجاهله، وعدم النظر إليه مهما كانت صحة مواقفه وصدق أقواله، سائدة في الكثير من المجتمعات الإنسانية، وتمارس من دون رادع، وقد يصل الأمر إلى اتهام الأخر، وهذه الثقافة يمارسها الكثير من الناس وبشتى الوسائل ومن مختلف الشرائح الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة.