تاريخ الجزيرة العربية المناخي خلال 10000 سنة ماضية
د. عبدالله المسند
أستاذ المناخ المشارك بقسم الجغرافيا
المناخ الجاف المسيطر على أرض العرب ليس وليد العصر الحديث بل هو قديم جداً نسبة لعمر الإنسان وفي الوقت نفسه يعد حديثاً نسبة لعمر الأرض. ومن خلال استقراء أدبيات العرب وتاريخهم القديم قبل 1400 سنة، نجد أن الظروف المناخية السائدة آنذاك لا تختلف كثيراً عن الحاضر، فلقد قرأنا كثيراً عن تلكم المصطلحات: قحط، دهر، سنة، جوع، جفاف، استسقاء، بئر، مورد ماء، عام الرمادة، فقر، حر شديد … الخ والتي تعكس بالضرورة الظروف المناخية السائدة والجافة آنذاك. بالمقابل لم ترد في تاريخ العرب هذه المصطلحات: بحيرة، نهر، شلال، ثلج، جليد، غابة… الخ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومن خلال الاستقراء العلمي التاريخي الطبيعي للجزيرة العربية يوحي كذلك أن الظروف المناخية قبل 1400 سنة لم تكن تختلف كثيراً عن اليوم.
وعندما نتوغل أكثر في تاريخ الجزيرة العربية المناخي لا نجد أيضاً إشارة إلى أن الأمم السابقة من العرب العاربة والمستعربة أو حتى العرب البائدة يتقلبون في أجواء رطبة غنية بأمطارها وأنهارها وأشجارها وأزهارها كحال القارة الأوروبية اليوم على سبيل المثال. والاستقراء التاريخي يشير ويثبت أنه قبل 3500 سنة تقريباً لم تكن الظروف المناخية في أرض العرب مروجاً وأنهاراً بل صحراءً وجفافاً وآباراً متواضعة يزدحمون عليها قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}.
وعندما نتوغل أكثر في القدم ـ على الأقل في غرب الجزيرة العربية ـ نجد الظروف المناخية السائدة كما وصفها إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} هذا في مكة المكرمة، وفي أرض مدين قبل حوالي 4000 سنة قسم نبي الله صالح عليه السلام الماء {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}.وقال عز وجل: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}، والأَحْقافُ: «رمال بظاهر بلاد اليمن كانت عاد تنزل بها والحِقْفُ أَصْلُ الرَّمْلِ» (لسان العرب)، وهذا يعكس جلياً واقع الظروف المناخية الجافة والصحراوية في أرض العرب قبل 4500 سنة على الأقل والله أعلم.
ولم يذكر التاريخ القديم ـ فيما أعلم ـ أن سكان الجزيرة العربية من العرب البائدة ومن قبلهم أنهم كانوا ينعمون بالمروج والأنهار. والسؤال أي فترة تاريخية كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقصد ويشير في معرض حديثه « لا تقوم الساعة…حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً «؟. أحسِب أن الظروف المناخية الجافة والقاحلة والحارة للجزيرة العربية كانت هي السائدة ـ والله أعلم- منذ نزول آدم عليه السلام، والفترة الزمنية التي كانت حافلة بالرطوبة والأمطار والأنهار في أرض العرب (العصر الجليدي) قديمة جداً قبل أن يستخلف الله الإنسان على الأرض والله أعلم.