منصات توقيع الكتاب .. ذل للواقف وفتنة للمؤلف!؟
أ.د. عبدالله المسند
أستاذ المناخ بقسم الجغرافيا
سألني أكثر من واحد من أجل التوقيع على كتابي “الربع الخالي مشاهد وشواهد” في معرض الكتاب، فقلت لهم رأيي في المسألة وألخصه بما يلي..منصات التوقيع في معارض الكتاب موضة غبية وإن كانت غربية، وهي مضيعة للوقت، وذل للواقف وفتنة للمؤلف!! إذ ما الذي سيضيفه توقيع المؤلف على مؤلفه في منصات التوقيع المتربعة في صدر معرض الكتاب إلى رصيدك الثقافي، أو المالي، أو الاجتماعي؟؟
لا تذل نفسك وقوفاً واصطفافاً أمام منصة المؤلف كائناً من كان، فليس من المنطق أن يكتب المؤلف جملة “إهداء المؤلف إلى فلان بن فلان ..” والكتاب مدفوع القيمة مسبقاً عداً ونقداً، ولو كنتُ ممن يصطفون مع هؤلاء لطلبت من المؤلف أن يدفع لي مقابل وقوفي أمام منصته للتوقيع؛ فالمسألة لا يعدو كونها ترويجاً لمن لا يستحق الترويج في أكثر الأحيان.
:. ثم ما الجدوى من التوقيع؟ فهو مجرد توقيع لن يشاهده أحد، فهو مدفون في غياهب الورق والكتب في المكتبة، إلا إذا وضعت التوقيع في برواز، وعلقته في صدر المجلس لتفخر به وتتفاخر فيه أمام الناس، فهذا سيكون حتماً محط سخرية الزوار، وتعريف إهداء الكتاب: هو أن يعمد المؤلف نفسه إلى إهداء كتابه إلى من يحب مجاناً، فيكتب عليه رسالة لطيفة جميلة ومختصرة، ومن ثَم يوقع للذكرى، هذا هو مفهوم الإهداء لا البيع والشراء!!، والاصطفاف في الطابور أمام منصات التوقيع.
المشكلة المبكية المضحكة أن يُؤلِف المُؤلِف المُؤلّف لغرض التوقيع فحسب!!؟ هنا فقط يكمن الانحطاط الثقافي الذي يواكب وضع حال العرب بين الأمم الآن، ولو كنت مكان منظم المعرض لاستبدلت منصات التوقيع بمنصات لأبرز المؤلفين السعوديين الذين فاقت شهرتهم البلاد، وانتشر علمهم بين العباد في شتى الفنون والعلوم تكريماً لهم، وشحذ همم الآخرين ليصلوا ما وصلوا إليه في وضع السعودية على خارطة الثقافة العربية خاصة في جانب العلوم التجريبية.
وعلى افتراض أننا اقتنعنا بآلية منصات التوقيع، فهل كل من هب ودب يُفتح له المجال في هذا من المغمورين والمبتدئين!!؟ أم يُقتصر المكان للعظماء المتمكنين فقط، بغض النظر عن السن والجنس والفن ممن خدموا الإنسانية في تخصصهم ومشربهم، .. عندها ربما تُستساغ المسألة أقول ربما، أو أن يٌقصر على مؤلفات فائقة المنفعة في فنها حتى وإن كان من مغمور مبتدئ، فالوقت يمضي والأمم لا تنتظر منا مؤلفات تموت بجفاف حبر توقيع صاحبها.
ثم إن الكتب الرصينة النافعة في فنها وميدانها حية في قلوب الناس حتى وإن غيب الموت مُؤلفيها قروناً، وأحسب أن منصات التوقيع حفلات “ميك أب” لترويج الكتاب الذي لم يستطع مزاحمة الكتب القيمة عبر القنوات المرعية والنظم المكتبية.أخيراً لست ضد التجارة في الثقافة والكتاب، وهم أحسب أولى من غيرهم من الرياضيين والفنانين، ولكن الترويج يكون للكتاب الذي يبني الوطنية الصادقة والمعرفة الراسخة عبر العلم والإيمان .. هذا والله أعلم … ودوماً لأجل الوطن نلتقي، فنستقي، ثم نرتقي.