عقدة المثقفين
عبدالرحمن الشنقيطي
طالب في كلية الاقتصاد والادارة
المثقفون طبقة موجودة في كل المجتمعات حول العالم، هي فئة استفردت عن غيرها بعدة امتيازات عقلية وسلوكية مثل الذكاء والرقي المعرفي والتفكير والقدرة على الحوار والجدل ومناقشة الآراء والتأثير على الرأي العام ونقد الأفكار البالية واستحداث أفكار جديدة بدلا منها تدفع بالمجتمع إلى الأمام، ولكن لسوء الحظ أن هذه المزايا لا تأتي منفردة دون أن تجر معها الكثير من المتاعب، ومشكلة هذه الحياة أن كل ما تحويه يشمل وجهاً سلبياً مهما كان هذا الشيء مثالياً، حتى الأمور الكاملة في تكوينها يمكن أن تُحرّف عن مغزاها الأساسي فتغدو مصدراً للكارثة بدل أن تكون مصدراً للخير والنماء.
يرتقي المثقف بأفكاره ويصعد بها نحو السحاب وهو بذلك يبتعد عن واقع الناس دون أن يشعر، ومن هنا تبدأ الأزمة، معظم هؤلاء الناس من طبقة ( العوام ) وهم الغالبية، إنهم نسخ متكررة ولغتهم الفكرية تقليدية وروتينية، مغيّبون ومنوّمون دون أن يشعروا، والتنويم هذه المرة ليس مغناطيسيا بل هو تنويم فكري وثقافي، يشعر الفرد تحت تأثيره أنه ضمن الدائرة التي تمثل الحقيقة الكاملة وما يجب أن يكون، أما المثقف فهو شخصية شكوكية وصعبة الخضوع والانقياد، يرى أن من البلاهة القطع بصحة فكرة معينة دون أن تأخذ حقها الكامل من المدارسة ومن جميع الزوايا، بل حتى لو ثبتت صحتها فهي تثبت ضمن إطار معين قد ينهار في يوم ما فتنهار معه الفكرة.
أجمع علماء الاجتماع أن الاتصال بين البشر لا يمكن أن يحصل دون لغة مشتركة ( أعني لغة الفكر ) بين الأطراف المتصلة، وإذا تفاوتت العقول في أحجامها أصبح من الصعب أن تتم عملية التفاهم بشكل سليم إلا في حال أن يتنازل المثقف عن معاييره العلمية فينزل قليلا أو كثيرا إلى مستوى العوام، وهذا الاختلاف في التركيبة العقلية بين المثقف والعامي هو أحد أهم أسباب انزواء المثقفين عن عموم الناس وعجزهم عن إقامة صداقات مرحة وعفوية، يعيش أحدهم في برج عاجي وينتظر من العوام أن يفكروا كما يفكر وإذا عجزوا عن ذلك تجده يطلق إحدى العبارات التالية ( مجتمع متخلف، قطيع، يضيعون وقتهم في التفاهات،… الخ )، والمشكلة في رأيي عند المثقف أكبر مما هي عند العامي، فالمثقف يصرّح بآرائه الشاذة بين أفراد بسطاء فكريا ثم يُفاجئ بردة فعل عدائية تجعله يضمر الكراهية ضد هذا المجتمع الإقصائي المنغلق، ولو أنه سار على قاعدة ( لكل مقام مقال ) لكان خيراً له، على المثقفين أن يختاروا الزمان والمكان المناسبين للتصريح بآرائهم و أن يتعلموا فنون الدبلوماسية وطرح الأفكار بهدوء بحيث تخف حدة الصدام مع المجتمع إلى أقل قدر ممكن، كذلك عليهم أن يفهموا أنه ليس كل ما يُعرف يُقال، وأن الثقافة والمعرفة أمور ليست إلزامية لكل الناس، يكفي الفرد أن يكون صالحاً حسن السيرة متفانياً في عمله بإخلاص بحيث يكون عضوا فعالا في المجتمع، أما المثقفون فإن نسبة 1% منهم تكون كافية جدا والأهم أن يكون هؤلاء الـ 1% على قدر المسؤولية.