سناب.. وطبق (١-٢)
حسن أحمد العواجي
مساعد المشرف للشؤون الإدارية – إدارة الإعلام والاتصال
انزوى في ركنٍ وحيداً.. يحاول أن ينسى للحظة هموم هذه الحياة.. هي نصف ساعة فقط.. وربما أقل من ذلك بكثير.. يأكل فيها ما يسد رمق جوعه.. مما قل ثمنه.. ليعاود من جديد رحلة المعاناة في سبيل تأمين لقمة العيش له ولأسرته التي من المؤكد أنها تبعده مئات الأميال.. نظرَ إلى طبقه.. أخذ قطعة من رغيفه.. وبدأ لقمته الأولى ممنياً النفس بموعد قريب يجمعه مع أهله وأحبابه على مائدة أكبر في وطنه الأم.
وفجأة وبدون سابق إنذار.. وفي منظر يتجرد من كل معاني الإنسانية.. شخص ما في الجهة المقابلة يتحدث لرفاقه.. يخرج جهازه النقال ليصور هذا العامل المسكين عبر برنامج التواصل سناب شات.. ويتغزل في طبقه الذي يتمنى لو استطاع أن يتذوق منه لقمة واحدة.. لم يكن هذا الشخص فقيراً أو معدماً.. لتضيق عينه على طعام هذا العامل المسكين.. بل هو واحد ممن يرون أنفسهم مشاهير.. ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم.. نعم هم مشاهير في اقتحام خصوصية الآخرين.. مشاهير في نشر الغث قبل السمين.. مشاهير في التطفل والتندر والاستظراف.. لكسب المزيد من المتابعين.
تقدمَ إليه وأبى إلا أن يظفر بتلك اللقمة من طبق العامل.. ليكمل رفاقه ما تبقى في الطبق من طعام.. فما كان من العامل إلا أن ترك الطبق لهم، وبرر المسكين ذلك بكل تواضع بأنه سد رمق جوعه ببضع لقيمات وحان وقت الرحيل.. ليتدخل حينها فارسنا من جديد معلناً بأنه سيتكفل بقيمة هذا الطبق وكأن العامل ينتظر منه صدقة.. فلو كنت من البداية ستدفع قيمة الطبق فلماذا لم تبلغ النادل برغبتك في طبق من الطعام من نفس الصنف الذي أكله العامل.. وتركت طعامه له، أم هي قصة مفتعلة خطرت لك في حينها ليكون بطلها طبقا بريالين.