بيئة

« الصواعق».. حقائق علمية ومفاهيم خاطئة

المسند: الجوال بريء من تهمة جذب الصواعق.. والسيارة أكثر الأماكن أماناً يأتي بعدها المنزل
الإنسان ليس جاذبا للصواعق.. والخطر فيما يحمله أو يتواجد بجواره
إجراءات وقائية «فصل الأجهزة الكهربائية والابتعاد عن الأشجار والأعمدة، والمباني العالية»
ثابت: «المعادن والأبراج والمظلات المعدنية.. والمرتفعات والأشجار والأماكن العالية» هي الأكثر جذبا للصاعقة
خطورة الصواعق تكمن في شحناتها الكهربائية ودرجة الحرارة العالية جداً
فوائد الصواعق.. زيادة كمية الأوزون في الهواء وتزويد التربة بالسماد النتروجيني
«عسير ومرتفعات جازان والباحة ومرتفعات الطائف وبريدة وشقراء والمدينة وحفر الباطن» أكثر مناطق المملكة تعرضا للصواعق

مع دخول فصل الشتاء وبداية موسم الأمطار في كثير من مناطق المملكة، فإنه من الملاحظ أن هذه الفترة من كل عام تشهد تكراراً لبعض السلوكيات والمفاهيم الخاطئة عن العواصف الرعدية والصواعق، حيث يقوم البعض بسلوكيات خاطئة قد تؤدي بحياته للخطر أثناء الصواعق، ولذا فقد جاءت محاولة «صحيفة الجامعة» لكشف بعض هذه المفاهيم الخاطئة وتصحيحها عن طريق التعرف على رأي العلم الحديث في كيفية التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية، واستطلاع آراء المختصين في هذا المجال.

أسباب حدوث الصواعق المصاحبة للعواصف
في البداية أرجع الدكتور أحمد ثابت، أستاذ هندسة الجهد العالي وعلوم النانوتكنولوجي بجامعة القصيم، سبب حدوث الصاعقة إلى عملية التفريغ الكهربائي التي تحدث بين أسفل السحابة ذات الشحنات السالبة مع الشحنات الموجبة على سطح الأرض، مما يؤدي إلى حدوث وميض يسمى بالبرق ويمتد من الأرض إلى أعلى، وهذا الضوء يعقبه صوت عالٍ قادم من السماء وهو ما يسمى بالرعد، والصاعقة لا تخترق الجدران، بل تتصل بأقرب جسم معدني لتفريغ الشحنات الكهربية فيه، لذا فإن الجسم المعدني الموصل للكهرباء إذا تم رفعه باليد أثناء الصواعق الرعدية فقد يمهد لحدوث الصاعقة عبر جسم حامله.

من جانبه، أوضح الدكتور عبدالله المسند أستاذ المناخ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم أن الصواعق ظاهرة مستمرة في كوكبنا، حيث تضرب الأرض في كل ثانية من 50-100 صاعقة، ويحدث 2000 عاصفة رعدية في كل لحظة على مستوى العالم، ومتوسط عدد البروق في الثانية 100، ومتوسط عدد البروق يومياً نحو 8 ملايين، ومعظم هذه الصواعق يبلغ طولها في المتوسط 3-4 كلم، وقطر خط البرق أو حزام البرق حوالي 1 بوصة.

وأضاف «المسند» أن البرق لا ينحصر في العواصف الرعدية، بل تمت مشاهدة بعض أنواع البرق في الأعاصير الكبيرة، وفي البراكين الثائرة، وفي العواصف الثلجية الضخمة، وقد تمتد شرارة البرق إلى أكثر من 10 كلم أفقياً، في حين أن أطول ومضة برق تم تسجيلها لا تتجاوز 1.5 ثانية، وكذلك الرعد قد يُسمع من مسافة 19 كلم في حالة الهدوء التام، وفي حالات (معينة) وظروف جوية ملائمة قد يُشاهد البرق من مسافة تصل إلى 100 كلم، مشيرًا إلى أنه يمكن التعرف على بُعد البرق أو الصاعقة عنك بسهولة، وذلك بحساب الفرق بين رؤية البرق وسماع الرعد أو الصاعقة بالثواني والحاصل تقسمه على 3، ويكون الناتج هو مسافة بعد الصاعقة بالكيلومتر تقريباً.

أكثر المناطق تعرضا للصواعق بالمملكة والعالم
كشف «المسند» أن أكثر المناطق في السعودية يتردد فيها البرق هي بالترتيب: عسير ثم مرتفعات جازان ثم الباحة ثم مرتفعات الطائف ثم حرة رهط الواقعة بين مكة والمدينة ثم مثلث مهد الذهب بريدة شقراء، ثم المدينة، ثم حفر الباطن وجنوبه، ولكن أكثر معدلات الصواعق في العالم تم تسجيلها في كندا التي يبلغ معدل الصواعق بها حوالي 2 مليون صاعقة سنويا، تقتل نحو 10 أشخاص سنوياً، وتجرح نحو 100-150 شخصاً، بينما في الولايات المتحدة تقتل بالمتوسط 57 شخصا سنوياً.

مخاطر الصواعق على الإنسان
وعن مخاطر الصواعق أكد «المسند» أن الصواعق قد تسبب تلفاً في طبلة الأذن عندما تضرب بالقرب من الشخص، الذي في الغالب سيسقط أرضاً من شدة الموجات الصوتية المتولدة عن الصاعقة، كما أن الرعد وإن كان صوته مخيفاً إلا أنه لا يقتل كما الصاعقة، مشيرًا إلى أن الذين تضربهم الصاعقة هم -بقدر من الله- وقفوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ، بمعنى أن الله مقدر أن تضرب الصاعقة هذا المكان في هذا الزمان، سواء كان أحد موجوداً به أو لا، بعبارة أخرى فالإنسان ليس بمحرض لجذب الصاعقة، وتتمثل خطورة الصواعق في أنها تحمل خطرين الأول: الشحنات الكهربائية، والثاني: درجة الحرارة العالية جداً، و80% من ضحايا الصواعق من الرجال، ولكن ليس بالضرورة أن كل صاعقة تضرب الإنسان أو الحيوان قد تقتله، بل إنه قد يسلم منها، ولكنه قد يعاني الكثير من المشاكل الصحية الدائمة ومنها فقدان الذاكرة.

المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصواعق
وعن المفاهيم الخاطئة التي تنتشر بين الناس عن الصواعق أشار «المسند» إلى شائعات كثيرة حول هذا الموضوع ومنها علاقة الهاتف الجوال بها وخطورة استخدامه في أثناء الصواعق، مع العلم أنه لم يثبت فيزيائياً خطورة استخدام الجوال أثناء حدوث الصواعق، خاصة إذا لم يكن الهاتف في حالة شحن، مؤكدًا أن الحديث عن الجوال وعلاقته بالصواعق مضلل، ومع ذلك ينصح بعدم استخدامه أثناء مرور العاصفة الرعدية النشطة، فالصاعقة قد تضرب مستخدم الجوال، لا لكونه يستخدمه وأنه جاذب، ولكن لكونه واقفاً في مكان مرتفع من الأرض فحسب، أو قريب من شجرة، أو كتلة معدنية، أو في منطقة مفتوحة ومستوية، ومع ذلك ينصح بعدم استخدامه.
وأضاف «المسند» أن الاتصال عبر هاتف المنزل أيضا يعتبر موصلا للشحنات الكهربائية التي قد تأتي من قبله الصاعقة فيحذر من استخدامه، ومن المفارقات أن بعض الدول التي تعاني من كثرة العواصف الرعدية تنصح مواطنيها باستخدام الجوال عوضاً عن الهاتف الثابت إبان العواصف الرعدية، لأن الأول أسلم من الثاني، ولكن على كل الأحوال فإن الجوالات في حد ذاتها ليست جاذبة للصواعق، التي تضرب الإبل والغنم والشجر والأرض مثلا، مع أنها لا تحمل جوالات، كما أن أبراج الجوالات أيضا لم نُشاهد أنها محط جذب للصواعق.

إجراءات التأمين الواجب اتباعها أثناء العواصف لتجنب الصواعق
وعن كيفية تأمين الفرد لنفسه من مخاطر الصواعق أكد «المسند» أنه في حالة العواصف الرعدية الشديدة يجب الابتعاد عن جميع الأجهزة الكهربائية، والمعادن وأدوات السباكة في المنزل، وعدم الاستحمام أثناء تلك العواصف، كما أن عملك بالكمبيوتر المرتبط بسلك الكهرباء أو في البلايستيشن عند حدوث العواصف الرعدية النشطة تجعلك في غير مأمن من الصاعقة، لذا يفضل استخدام اللاب توب بدون توصيله بالتيار أو بخط الهاتف (الإنترنت) أثناء حدوث العاصفة الرعدية الشديدة، لأنه لا خطر فيه.
كما أنه يفضل -بحسب المسند- في حالة العواصف الرعدية النشطة فصل التيار عن الأجهزة الكهربائية، فقد يتم تفريغ الشحنات الكهربائية من البرق عبرها فتحرقها، ولحماية كمبيوترك وبياناتك لا تجعل الجهاز موصلاً بالكهرباء أثناء حدوث العواصف الرعدية الشديدة، مضيفا أنه في حالات العمل خارج البيت أثناء العواصف الرعدية الشديدة فيجب الابتعاد عن الأشجار، والأعمدة، والمباني العالية، والمناطق المرتفعة، حيث تعد السيارة أأمن مكان بعيداً عن الصواعق السيارة ومن ثَم المنزل، بإذن الله، فقد تضرب الصاعقة السيارة وتدمر أجهزتها الكهربائية، وينجو راكبها في حالة عدم لمسه أي معدن فيها، كما هو الحال بالنسبة للصواعق التي تضرب الطائرات ولكن الركاب في أمان، حيث إن الشحنة الكهربائية تنتشر حول جسم الطائرة الخارجي.

الأجسام والأشياء الجاذبة والمانعة للصواعق
يؤكد الدكتور أحمد ثابت أن جاذبات الصواعق تتمثل في  جميع الأجسام المعدنية العالية والموصلة للشحنات الكهربية مثل أبراج الضغط العالي وأبراج محطات تقوية الإشارات اللاسلكية والمظلات المعدنية وغيرها، والأماكن العالية والمرتفعات والأشجار هي أكثر الأماكن تضربها الصواعق، كما أن أطباق استقبال القنوات الفضائية تعد أيضاً جاذبة للصواعق.
ويضيف «ثابت» أن الصواعق تأتي إلى أي منفذ معدني كي تمر من خلاله، أو من خلال جميع الاتصالات السلكية التي تعتبر موصلا للشحنات الكهربائية التي قد تأتي من قبل الصاعقة، فيحذر من استخدامها في حالة العواصف الرعدية النشطة، كما يفضل فصل التيار عن الأجهزة الكهربائية؛ حتى لا يتم تفريغ الشحنات الكهربائية من البرق عبرها فتحرقها.
وكذلك في حالة احتواء جهاز الهاتف الجوال على هوائي صغير جيد التوصيل للكهرباء، فإنه من غير المستبعد أن يتم تفريغ الصاعقة الكهربائية من خلاله عبر جسم الإنسان الذي يحمله، خصوصاً اذا كان الجهاز مرفوعاً باليد قرب الرأس، ولكن الهواتف الحديثة التي لا تحتوي على هوائي فمن المستبعد حدوث ذلك من خلالها.
ويشير «ثابت» إلى أنه عادة لتقليل تأثير الصواعق على المنازل يتم وضع حديدة في أعلى نقطة في المنزل كنوع من التأريض، ويتم تمديد سلك إلى الأرض، فالحديدة هذه تأتي إليها الصواعق لأنها أعلى نقطة وسوف تمر الإشارة الكهربائية إلى الأرض عبر السلك، لذلك فقد تم عمل مانع الصواعق أو الشاري وهي عصىً معدنية متصلة بالأرض لها طرفان مدببان؛ الأول يُثبتها على الأرض والآخر لجمع الشحنات وجذبها، بحيث توضع في أعلى منطقة في البرج وتعمل على تسهيل تسرب الشحنات الكهربائية الناتجة عن احتكاك السحب إلى الأرض، فحينما تتولد الشحنة الكهربائية وتهبط إلى الأرض، يستقبل الجزء العالي السالب من مانع الصواعق فتحدث عملية تفريق للشحنات الموجبة حتى تسكن في الأرض عن طريق مانع الصواعق من غير إحداث خسائر، وبهذه الطريقة تعمل مانعة الصواعق على امتصاص التيار الكهربائي الهائل الناتج عن الصواعق وحماية الأجهزة والمعدات الكهربائية المركبة بالخطوط الهوائية من زيادة الجهد الناتج من العوامل الجوية.

صعق الطائرات
ويلاحظ أن طائرات الركاب لا تتأذى من صواعق البرق نظرا لأن الهيكل الخارجي للطائرة المحيط بالمقصورة، حيث يتم تصميم حجرات الاحتراق الداخلية بطريقة خاصة، بحيث يكون موصلا للكهرباء، لكنه في نفس الوقت يكون معزولا كهربائيا عن مركز قيادة الطائرة، وعن منطقة مقاعد الركاب، وعن المعدات الإلكترونية الداخلية، كما أن هناك جدارا شبكيا معدنيا يغلف باطن الطائرة ليس هذا فحسب، بل إن الأجهزة الإلكترونية وأجهزة التوصيل إلى خزان الوقود مثلا تكون مغطاة بدرع يمنع وصول تأثير أي انفجارات كهربية خارجية إليها.

فوائد البرق والصواعق
يؤكد الدكتور «ثابت» أن للبرق والصواعق فوائد مهمة بالنسبة للحياة على كوكب الأرض، وتكمن هذه الفوائد في أن شرارة البرق تعمل بما تحمله من طاقة وحرارة على زيادة كمية الأوزون في الهواء، وذلك من خلال تحويل الأكسجين في الهواء إلى أوزون، بالإضافة إلى أن البرق والصواعق يُمكنهما تحويل النتروجين إلى ثاني أكسيد النتروجين عن طريق حرقه بما يحملانه من طاقة وحرارة، ليندمج بقطرات المطر التي تسقط على التربة كسماد نتروجيني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى