ذكرى البيعة .. فرصة للحديث عن الإنجازات والمواقف
أ.د. عبدالرحمن بن حمد الداود
تأتي الذكرى الرابعة للبيعة المباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- مُتزامنة مع إعلان المملكة العربية السعودية أكبر ميزانية إنفاق في تاريخها بمبلغ يتجاوز التريليون ريال للعام المالي 2019م، وهو ما يعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، ونجاح الإجراءات والبرامج الحكومية في تنويع مصادر الإيرادات وتقليص الاعتماد على النفط؛ ومشاركة الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي والاستثماري بما يزيد على حجم الإنفاق الرأسمالي من الميزانية في السنوات السابقة.
كما تأتي هذه الذكرى المباركة في أعقاب الزيارات الملكية الكريمة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى عدد من مناطق المملكة، وتَفضل خلالها بتفقد أحوال المواطنين، وتدشين وافتتاح ووضع حجر الأساس لمئات المشروعات التنموية والتعدينية والصناعية، والتأكيد على منهجية التنمية المتوازنة في المملكة، ومواصلة تعزيز الاقتصاد الوطني وفق برامج رؤية المملكة (2030)، وتحقيق المزيد من المشروعات العملاقة، واستشراف المستقبل للإسهام في تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة تستثمر موارد وإمكانات وثروات هذه البلاد المباركة، ليعود نفعها للوطن والمواطن.
وتجيء هذه الذكرى بعد أيام من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى التي تضمنت جملة من المعاني والدلالات التي تؤكد أن المملكة تأسست على المنهج الإسلامي الذي يرتكز على إرساء العدل، وأنها تعتز بجهود رجال القضاء والنيابة العامة في أداء الأمانة الملقاة على عاتقهم، ولن تحيد عن تطبيق شرع الله، ولن تأخذها في الحق لومة لائم، وما اشتمل عليه الخطاب الملكي من ثوابت فيما يتعلق بسياسة المملكة الداخلية والخارجية، واعتزاز المملكة بما تمر به من تطور تنموي شامل وفقا لخطط وبرامج رؤية المملكة (2030)، وتعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه كشريك فاعل في التنمية، وتأكيد للسياسات المالية، بما في ذلك تحقيق التوازن بين ضبط الإنفاق ورفع كفاءته ودعم النمو الاقتصادي، والقيام بدورها القيادي والتنموي في المنطقة، والتأكيد على مواقف المملكة الثابتة تجاه القضايا العربية والإسلامية والدولية الراهنة، وحرص المملكة على شراكاتها الإستراتيجية مع الدول الصديقة المبنية على المنافع المشتركة والاحترام المتبادل، وإسهامها في تعزيز الاقتصاد العالمي ونموه.
إن هذه الذكرى المجيدة تحل علينا والمملكة تواصل مسيرتها في مشروع التنمية والبناء والإصلاح، فمنذ أن استلم الملك سلمان -يحفظه الله- مقاليد الحكم في هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية، وهو يمضي برؤية واضحة ومنهج ثابت نحو تدعيم أسباب التنمية والبناء والأمن والاستقرار للبلاد، مستندًا في ذلك على إرث تراكمي من المعارف والخبرات والتجارب في إدارة شؤون البلاد، سواء بالجانب المتعلق بالإدارة المحلية والتنموية، أو ذاك المرتبط بشؤون السياسة الخارجية، مستلهمًا خطواته وأعماله ومواقفه من مدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- التي تجمع ما بين البناء والتحديث الداخلي وضبط التوازنات الخارجية، تلك السياسة التي تمنح البلاد القدرة على تنفيذ برامج التنمية وبناء الإنسان، وفي الوقت ذاته تعمل على ترسيخ العلاقات والمواقف الخارجية التي تحفظ للمملكة مكانتها، وتعزز من حضورها في المحافل الإقليمية والدولية.
كما تتجلى رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في القيادة وإدارة الدولة في توجيهاته الحصيفة لأعضاء مجلس الوزراء الذين يقودون الإدارة التنفيذية للحكومة، حيث يحرص على تعزيز الثقة بأعضاء الفريق والتحقق من إنجاز المهام المنوطة بالقطاعات التي يتولون إداراتها، ومنحهم الصلاحيات الكافية، ومن ذلك الدعم والثقة اللذين يحظى بهما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -يحفظه الله- في إنجاز المهام والمسؤوليات التي يشرف عليها، ومن ضمنها مسؤولياته الخارجية في تعزيز علاقات المملكة إقليميًّا ودوليًّا، حيث قام سموه مؤخرًا وبتوجيهات من الملك بزيارات خارجية إلى عدد من الدول العربية لتعزيز أواصر التعاون، وتعميق علاقات التواصل مع الدول الشقيقة في المجالات كافة، وحضور سموه ومشاركته في قمة العشرين التي انعقدت مؤخرًا في الأرجنتين بحضور زعماء أقوى عشرين اقتصادا في العالم.
إن هذه المناسبة تمثل فرصة سانحة للحديث عن الإنجازات والمواقف والخطط التنموية التي شهدتها المملكة خلال هذه الفترة الوجيزة بقياس الدول، فقد استطاع الملك سلمان -يحفظه الله- أن يؤسس لرؤية تنموية جديدة تدعم العوامل والمعطيات الجديدة للمملكة داخليًا وخارجيًا، بدأها بإطلاق مشروع الرؤية التنموية التي استندت في بنائها على مكامن القوة التي تتمتع بها المملكة المتمثلة في مكانتها في العالم الإسلامي ودورها في المجال العالمي، وموقعها الإستراتيجي، وثرواتها الاقتصادية، ومواردها البشرية.
ومع إطلاق الرؤية التي ارتكزت على الحوكمة والشفافية، قاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- حملة صارمة وحازمة على الفساد، إيمانًا منه بأن أي مشروع تنموي لن يحقق أهدافه ومراميه إلا باجتثاث الفساد ومعالجة أسبابه، هذه الحملة ستؤتي ثمارها -إن شاء الله- بإشاعة ثقافة النزاهة وحفظ المال العام، كما أنها ستعطي الجهات الرقابية دفعة قوية لممارسة مهامها والقيام بأدوارها، وتؤسس لثقافة جديدة في أعمال القطاع الحكومي والخاص.
إن هذه المناسبة المباركة تأتي والمملكة تسير بخطى واثقة ومدروسة نحو المستقبل، فالملك -يحفظه الله- يقود المملكة نحو التنمية والبناء وتعزيز القطاعات الاقتصادية من جهة، ويعمل على تعزيز الأمن والاستقرار والموازنات الخارجية من جهة أخرى.
أسأل الله أن يديم على قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الصحة والعافية، وأن يجزيه خير الجزاء، وأن يحفظه من كل مكروه، وأن يوفق عضده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة، وأن يحفظ وطننا، ويحمي جنودنا، ويغفر لشهدائنا، ويشفي جرحانا، ويديم الأمن والأمان على هذا الوطن وقيادته وشعبه الوفي.