الرأي

يوتوبيا

عبدالمجيد بن هادي المشيعلي
خريج إدارة أعمال

بالبداية يجب شرح معنى مصطلح «يوتوبيا» ليتسنى للقارئ الكريم معرفة موضوع ومحتوى المقال..
فقيمة المرء فيما يعرف كما يقول ابن رشيق القيرواني هو مصطلح يعود أصله إلى الفيلسوف الإغريقي أفلاطون، ويشير إلى مجتمع تخيِّلي غير موجود في الواقع، مجتمع لا توجد بهِ مشاكل وعيوب ونواقص، الغريب أننا نرى كل فترة -إن لم يكن كل يوم- بعض الأفراد ممن يطالبون بمجتمع مثالي خالٍ من العيوب والنزاع، فهذا صعب المحال والتطبيق.
فالإنسان مجبول على النزاع وعلى الخطأ المتواصل، فبدونهِ يتحول من صفته كانسان إلى ملك من الملائكة، وهذا مُحال! إن المبدأ الذي يدعو إليه بعض المثاليين حينما يقولون للناس (تآخوا واتحدوا واتركوا الخراف والنزع بينكم)، هو مبدأ طوبائي في ظاهرهِ يوتوبي في مضمونه وعمقه.
إن الفرد الذي لا يخطئ أبدا هو الذي لا يعمل أبدا، والفرد جزء من المجتمع، والمجتمع الذي لا توجد به عيوب وأخطاء وتنازع هو مجتمع لا حركة فيه، راكد لا يتقدم أبدا، فالنزاع جُبِل عليه الإنسان، فلا بد من وجود تنازع بين فرد وآخر، فهؤلاء هم وقود الحضارة إذ يدفعونها دفعا إلى الأمام على توالي الأجيال، والإنسان إذا لم يجد تنازعا اخترع تنازعا وهميا ليروّح به عن نفسه، وإنني هنا أُبين أثر التنازع والخطأ على المجتمع، بغض النظر إن كان التنازع الذي يحصل بين الأفراد إيجابيا أو سلبيا تافها أو ذا قيمة، ولم نصل بعد إلى مستوى الديالكتيكية أو فن الجدل، وهو أن يتبادل طرفان الحجج والأفكار حول موضوع متناقض بهدف الوصول إلى تفسير منطقي له، وأكاد أجزم أننا سنصل لهذا المستوى قريبا.
يرى البروفيسور كارفر أن للتنازع البشري أربعة أنواع سأذكرها بإيجاز وبدون إسهاب: النوع الأول: نزاع القوة والعنف، وفيه يكون اعتماد الفرد على قوته لتحطيم خصمه أو إيذائه، وهو يتمثل في الحرب والمبارزة، والنوع الثاني: نزاع الذكاء والفطنة: وفيه يستخدم الفرد عقله بدل قوته وجسده، مثل الاحتيال والغش وما إلى ذلك من أمور تمثل النزاع البشري من وراء ستار، أما النوع الثالث فهو نزاع سلمي ويكون ضمن إطار المعقول والمنطق بدون إلحاق الضرر بالآخرين، مثل الانتخابات بمختلف مجالاتها وبين الشركات مثل الإعلانات وما أشبه، وأما النوع الرابع فهو نزاع تنافسي وفيه يكون التنافس في أوج عطائه، ويكون البقاء والسيطرة للأفضل، ومحور الأساس فيه يكون الهدوء لا تحاقد ولا تباغض، مثل: المنافسة العلمية والاقتصادية والاجتماعية.
خلاصة الموضوع أن الإنسان في حركة دائبة وتطور مستمر، وهذا هو سر حضارته، فكلما تقدمت الحضارة انتقل من نزاع إلى آخر، فهو وقود الحضارة والحركة الدؤوبة المستمرة.
يقول جبران خليل جبران “بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق، فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم، ولولا بياض بعضنا لكان السواد أعمى”، وهو تشبيه مجازي يصدقُ في حالات كثيرة.
ختاماً ليس من الضروري أن يكون كلامي مقبولا، ولكن من الضروري أن يكون صادقا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى