أول معيد في جراحة المخ والأعصاب بالجامعة يروي لـ«صحيفة الجامعة» قصة نجاحه في فرنسا
مبتعث الجامعة.. أول طبيب غير فرنسي ينضم لعضوية نقابة الأطباء الفرنسية
دعم الجامعة لم ينقطع منذ التحاقي بكلية الطب وحتى الآن.. والتواصل مستمر مع المسؤولين فيها بشكل شخصي
حوار: عبدالرحمن الفنيخ
تزخر جامعة القصيم بأبنائها النابغين المتفوقين في كل المجالات وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية، والذين يؤكدون يوما بعد يوم على المستوى المتميز للعملية التعليمية داخل الجامعة، والذي يؤهل خريجيها للتفوق والنجاح حين يبتعثون أو يقررون أن يستكملوا دراساتهم وأبحاثهم في أي جامعة من جامعات العالم المتقدم.
ومن هذه النماذج المشرفة من خريجي الجامعة الدكتور هاني بن طلال بن لافي الجهني، عضو هيئة تدريس ومبتعث من كلية الطب بجامعة القصيم إلى فرنسا، والذي التقت به “صحيفة الجامعة” للتعرف على أبرز محطات التميز والتفوق، وأيضا المصاعب والعثرات التي مر بها لوضعها بين يدي طلاب الجامعة للاستفادة من هذه التجربة الثرية.
بالبداية عرفنا بنفسك؟
الطبيب هاني بن طلال بن لافي الجهني عضو هيئة تدريس ومبتعث من كلية الطب بجامعة القصيم، حاصل على الزمالة الفرنسية في جراحة المخ والأعصاب، وحاصل على التخصص الدقيق في جراحات العمود الفقري، وأكمل الآن دراستي لتخصصين دقيقين آخرين في جراحات الأورام العصبية وفي جراحات الأوعية الدموية الدماغية.
وعضو في:
- الجمعية الفرنسية لجراحة المخ والأعصاب
- الجمعية الفرنسية لجراحة العمود الفقري
-الجمعية الأوروبية لجراحة المخ والأعصاب
-الجمعية الأمريكية لجراحة المخ والأعصاب - كيف كانت رحلتك الدراسية؟
- درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس المنارات بالمدينة المنورة، وكنت من الطلاب كثيري الحركة وكانت درجاتي ممتازة، ولكنني لم أكن من الطلبة المتفوقين، وبعد انتهائي من المرحلة الثانوية تقدمت إلى جامعة الملك سعود بالرياض لدخول كلية الطب، ولم أوفق في ذلك الوقت فدخلت كلية الصيدلة، ولم أكمل فيها إلا سنة واحدة، لأن رغبتي ورغبة والديَّ كانت الالتحاق بكلية الطب، ذهبت بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الطب هناك، وانتهيت من فترة اللغة ودخلت الجامعة واستمرت الدراسة هناك لمدة سنة، ووقعت وقتها أحداث سبتمبر الشهيرة، وتعرضت لمضايقات مثل كثير من الطلبة السعوديين، وعرض علي وقتها العودة لبلدي والالتحاق بكلية الطب في جامعة القصيم، حيث أكملت فيها مسيرتي حتى تخرجت من كلية الطب وابتعثت إلى فرنسا.
- ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في مسيرتك؟
- الصعوبات التي واجهتها في حياتي كثيرة وما زالت، وهذا أمر طبيعي جداً، فكلما علت همة الإنسان طال همه!
ومن العقبات التي لا أنساها في حياتي هو تعثري في السنة الخامسة بكلية الطب، حيث كان هذا التعثر صدمة قاصمة بالنسبة لي، وكدت بعدها أن أترك كلية الطب بالكامل، خاصة أني كنت أمر بظروف عائلية صعبة، فقد كنت متزوجا وقتها ورزقت ببنتي الثالثة، وبالمصادفة فإن التخصص الذي تعثرت فيه في ذلك الوقت هو نفسه التخصص الذي أمارسه الآن، وأعشقه وأبذل كل وقتي له، وهو تخصص الأعصاب وبالأخص الجراحة العصبية. - كيف ساندتك جامعة القصيم؟
- كان دعم جامعة القصيم ومساندتها لي وما زال منذ جلوسي على مقاعد الدراسة بكلية الطب، مرورا باختياري كأول معيد لجراحة المخ والأعصاب في الجامعة، ثم دعمهم لي الآن في هذه المرحلة، خاصة بعد أن أصبحت لي بعض النجاحات الملموسة والتي بدأت تظهر في الإعلام، ومن هذا اتصال بعض المسؤولين في الجامعة علي بشكل شخصي وإبلاغي بإيصال هذه النجاحات لسعادة مدير الجامعة وسعادته بهذه النجاحات، سواء لي أو لزملائي من مبتعثي ومنسوبي الجامعة.
- حدثنا عن قصة الكفاح والنجاح في فرنسا؟
- البداية في فرنسا كانت صعبة ومحبطة، فاللغة الفرنسية من اللغات المعقدة نطقا وكتابة، والفرنسيون من الشعوب التي تعتز كثيرا بلغتها، فهم حتى لو كان الواحد منهم يتحدث اللغة الإنجليزية فهو يدعي عدم إتقانها ليجبرك على الحديث باللغة الفرنسية!
هذا التحدي أيضا واجهته في المستشفى، فاجتمعت علي الصعوبتان صعوبة التخصص وصعوبة اللغة، كانت بداياتي في المستشفى صعبة جدا ومتعبة، وكم مرت علي أيام وأيام كنت أفكر فيها بترك فرنسا والعودة إلى بلدي وإكمال التخصص هناك، لأني كنت أتعرض لضغط كبير نفسي وجسدي.
كان من الناس الذين وقفوا معي وساندوني في بدايتي رئيس قسمي البروفيسور الفرنسي، والذي للأسف توفي في عارض صحي مفاجئ بعد سنتين من دخولي للمستشفى، وأصبحت الأمور بعدها في غاية الصعوبة، مما اضطرني لتغيير المستشفى والعمل في مستشفى بمدينة أخرى، وكنت أتنقل بالقطار يوميا لساعتين ذهابا وساعتين إيابا، وظللت على هذا الحال حتى أنهيت الزمالة الفرنسية بعد قرابة السنتين ونصف السنة.
وفي هذه المستشفى استطعت أن أثبت خلالها قدراتي الجراحية وثقتي في نفسي والثقة التي أعطوها لي بشكل ممتاز، لدرجة أنهم وفي آخر سنة من الزمالة كانوا يعاملونني معاملة الطبيب الأخصائي، وكانت تفتح لي غرف العمليات أكثر من زملائي الفرنسيين أنفسهم، وبعدها كنت أفكر بالانتقال إلى كندا لعمل التخصص الدقيق، لاستحالة هذا الأمر بحسب القوانين الفرنسية، ولكن بعد دعم رئيسي وأستاذي لي ودعم المستشفى الكامل استطعت أن أحصل على فرصة لإكمال التخصص الدقيق في جراحة المخ والأعصاب، والتي على حسب علمي لم تتوفر لأحد من زملائي من قبلي. ماهي قصة الانضمام إلى نقابة الأطباء الفرنسيين؟ يوجد في النظام الفرنسي مسميان مختلفان للزمالة، المسمى الأول هو (DES) والمسمى الثاني هو (DESC)، وكثير من التخصصات الجراحية ومنها جراحة المخ والأعصاب تندرج تحت المسمى الأول (DES) ، وهنا بحسب الاتفاقية السعودية الفرنسية فإنه على الطبيب الذي ينتهي من متطلبات الزمالة مغادرة الأراضي الفرنسية، ولا يسمح له بإكمال التخصص الدقيق أو ما يسمى بالفيلوشيب.
وقد حاولت الملحقية السعودية بفرنسا مشكورة منذ بدء الاتفاقية في سنة 2005 تغيير هذا الأمر والسماح للطبيب السعودي بالانضمام لنقابة الأطباء الفرنسيين لمزاولة التخصص الدقيق كأخصائي له جميع حقوق الأخصائي الفرنسي ولكنها لم تستطع.
وعند انتهائي من الزمالة تحدثت بنفسي مع المسؤولين في الخارجية الفرنسية وبعد دعم كبير من المستشفى الذي أعمل به بإرسال تقارير ممتازة عني ودعم لا محدود من الملحقية استطعت كأول طبيب غير فرنسي ينهي الزمالة في فرنسا أن أحصل على تصريح رسمي للعمل كأخصائي جراحة مخ وأعصاب، وأن أنضم إلى نقابة الأطباء الفرنسيين.
وكانت سعادة الملحقية وعلى رأسهم الملحق الثقافي الدكتور عبد الله الثنيان بالغة بهذا الأمر واتصلوا بي لتهنئتي وتكريمي بخطاب رسمي سلمه لي سعادة الملحق بنفسه. - عرفنا عن تخصصك؟
- تخصص جراحة المخ والأعصاب هو أحد التخصصات الجراحية المعقدة والصعبة، والذي يتعامل مع أمراض الدماغ والعمود الفقري من خلال التدخل الجراحي، وهذا الجهاز الحساس، والبالغ التعقيد، يحتاج ممن يتعامل معه أن يتحلى بالكثير من الجرأة والصبر، والكثير الكثير من المهارة والدقة حتى يستطيع -بإذن الله- أن يخلصه من بعض العلل التي تصيبه.
- كم عدد العمليات التي أجريتها وما هي ولمن؟
أعمل الآن كأخصائي لجراحة المخ والأعصاب في مركز يحتل المرتبة الثانية على مستوى فرنسا في جراحات العمود الفقري، أجريت منذ بدئي للزمالة، وإلى الآن قرابة الألفي عملية جراحية بين الدماغ والعمود الفقري، من أورام ونزيف وكسور وغيرها، ومعظم من أجري لهم العمليات من الفرنسيين ولكن مؤخرا أصبح يأتيني بعض المرضى من السعودية لإجراء العمليات عندي، وهذه نعمة من الله لا أحصي شكرها. - كيف تشعر وأنت تمثل الوطن في تخصص نادر؟
أشعر وبدون مبالغة بالتقصير الشديد في حق وطني وأهلي في هذا الوطن، حيث إنني ما زلت لم أقدم إلا القليل والقليل جدا مما يجب علي أن أقدمه مقابل هذه الإمكانيات، وهذا الدعم اللامحدود الذي قدمه لي هذا الوطن الغالي، ولهذا فأنا أحاول كل يوم أن أطور من نفسي، وأن أشحذ همتي لأصل إلى المكانة التي تليق باسم البلد الذي جئت منه وتربيت فيه. - ماذا يقول لك الناس والمرضى في فرنسا وأنت طبيب سعودي؟
لا شك أن لهذا البلد الكريم سمعة طيبة في نفوس غير المسلمين، ومكانة كبيرة ومقدسة في قلوب المسلمين وأرواحهم، لهذا فإن الشخص الذي يأتي من هذا البلد يكون محل ثقة، وإذا كان على درجة علمية مميزة كالطبيب مثلا فإنه يلقى احتراما وتقديرا من الجميع، وتكون لديه مصداقية عالية. - رسالتك لطلبة الجامعة عن المستقبل؟
- رسالتي لأحبتي طلبة جامعة القصيم هي أن يطلقوا العنان لأحلامهم وطموحاتهم، وأن يصلوا ليلهم بنهارهم عملا وتخطيطا وترتيبا وصياغة لأهدافهم، فالحياة لا تفتح أبوابها إلا للمتفائلين، والعلم لا ينيخ مطاياه إلا عند أقدام المثابرين، وبلدنا -بإذن الله- مقبل على نهضة علمية وحضارية ركيزتها الأساسية ووقودها الحقيقي هو هذا الشباب الطموح؛ هو أنتم.